محمد العرب يكتب : في رثاء العروبة.. أربعة صبية... في كهف منامي

جمعة, 05/08/2016 - 16:29

لي مع العرب حكاية.. لا يمكن أن أصفها بالسعيدة.. لي مع العروبة جراح لم تنفع معها كل الضمادات الطبية... حكايتي مع العرب والعروبة يرويها لكم أربعة صبية...

أربعة صبية ومن دونهم جوقة من الأطفال الذين لم أخاطبهم, أربعة صبية بأربع لهجات, رحماك يا رب ماذا حدث !!

في طرقات مدينة بائسة يعبث فيها الدمار بالدمار...

وعلى مشارف قرية تضج بزفرات الاحتضار....

وعلى أعتاب أخرى لا ليلها ليل ولا نهارها نهار ...

 

وبالقرب من النهرين طفل يشكو من سوء الجوار بعد فقدان الدار....

وآخر يغازل بحجر من الأحجار وفي نهاية المطاف طفل يأخذه الفيضان .

أربعة صبية لم أصادف يفقههم قط

ولم أر مثل حججهم لأنها كانت مثيرة

كما ولم أشعر بسعادة قط لدى سماعي لهم، إذ كانت حكاياتهم مريرة.

أربعة صبية بأربعة أثواب مختلفة ما يميزها فقط أنها خيطت بخيوط عربية وبماكينة أجنبية.

أربع لهجات أخذت مني كل أذن، وأصغيت جيدا لما بثته من شكوى وشكواهم تقرع باب السماء..

- الصبي الأول..

بملابسه من اليمن، الذي كان سعيدا، وخنجره المعقوف إلى بطنه وكأنما قدر له أن يغتاله من يسكنُ في بيته.....

قال: يا عم.. نعم الرجال رجال اليمن.

فيها صنعاء وعدن.

لن نشكو من غدر الزمن.

ولن نقول لكم كان بين تلك الحدود وطن..

عماه ...هذا القدر... لن يقلل من وقعه حذرْ

أضعنا في خرائطنا الضمير.. ونسينا في تاريخنا المبتدأ والخبرْ..

بريءٌ من قلوبنا الحجرْ

يأكل من زادك ويشرب من مائك ويختطف بالموت أباك

هل هو شريك بالوطن أم أنه وكيل للهلاك..؟

عماهُ.. نشكو لله القلوب الفارسية... بلسان عربي هدموا اليمن السعيد

جئت لأرى الصحب لأنني سمعت مؤخرا بأن هنالك هياكل عربية بقلوب إسرائيلية..

لم أجبه ببنت شفه واحدة, صدمني هذا الصبي.

- الصبي الثاني

بعدها جرّ يده صبي آخر، كان يقف على مقربة منه، يرتدي لباسا أعرفه..

فقال مخاطبا الصبي اليمني:

لا تخبر أحدا بما دهاك ....

لن يسمعوا إلى نداك...

أخبرتك أكثر من مرة أنهُ لن يعالج الوضع سواك ...

أخبرته : مهلا يا صبي.. لمَ لا تصل على النبي.. لم يخبرني هذا اليمني الكريم بسر إطلاقا .

قال يا عم.. أنا من العراق بوابة العرب الشرقية.... بحكومة فارسية ...

يُقتل الأطفالُ فيها إن حملوا تلك الهوية...

فيها براميل تطيرٌ، وقصف ليليٌّ، ومن دونه مدفعية، وكلاب صفوية...

تغير الطائراتُ علينا ليلا والسبب أن بيننا عمر وعثمان وعلي ...

يريدون أن ينقذوا عليا منا ونحن أحق بعلي....

أولئك الذي يقاتلوننا مرضى....

إن لم يفعلوا ما أمروا.. فطهران عنهم لن ترضى....

يا عم.. إن العرب باعونا في لحظة...

فلماذا يجبرُ هذا الصبي من اليمن على أن يحدثك بشيء عن أيام المحن !!

أطرقت راسي وسألت الله أن أتماسك..

- الصبي الثالث

جاء الذي لا أشتهي سماعه

طفل صغير مردود البضاعة

عرفته , أنكرته , ألفته, جهلته ...

لا أعرف ماذا حدث..

أطرافه مبتورة

أسنانه مكسورة

لم يبتسم، لكن الوجع رسم تعابير ثقيلة فبان مبسمه..

مخاطبا الصبيين الآخرين, قال: ما خطبكما ؟ ومن هذا العم المترف ؟ ومن أي بلاد الله جاء ؟

يبدو أنه لا يعرف الأخبار ...

لأنه منشغل بكثرة الأسفار ...

سمعت حديثه معكما.. لا ضير إن أخبرته بكلمات بعدها ننصرف إلى بعض شأننا..

عماه.. ما الذي حملك إلى هنا...

هذه بلاد غنية بالموت وأنت لا تبحث عن هذا الغنى...

فيها حاكم بعيون خضراء ....

يحب مشاهد الأشلاء...

يطمئن لتجارة النساء...

يحلف برأس القيصر ويغفو بحضن الشيطان.

يا عم....

منذ خمس سنوات خلت....

وبلاد الشام بالموت اشتعلت....

كثير من الأنفس استشهدت....

الكثير من الثكالى انتحبن بأدمع ما أدمعت...

رجال أوصالها تقطعت....

عجائز أهينت وبالمدرعات دهست....

فلماذا أتعبت حالك واتسخت في مشوارك ثيابك

الحال لا يسرُّ.. و يا الله ما لنا غيرك يا الله..

- الصبي الرابع

ليس ببعيد من هؤلاء الفتية الذين أرسلوا إلى وجداني صواعق ماحقات...

كان هنالك صبي يلعب بحجارة ويضع على جرح يده اليمنى كوفية بيضاء معفرة بدم أحمر قان..

قال: أما أنا - يا عمي المسحورَ بالجغرافيا الخائفة، وهذه الحالة الراجفة، في زجل السكرةِ، وجرح الكأسِ النازفة - فقد عرفتك وعرفت الصبية الذين خاطبت... عندما كنت في عامي الثالث وأنا أذبح وأنتم تتناقلون الأخبار على شاشاتكم.. جرح وقتل واستشهد طفل فلسطيني, ما زالت حجارتي بيدي لأنني كنت مؤمنا بأن الله لم يخلق عبثا هذه الحجارة.. بها يختبرُ عمق الماء، وبها تبنى الحضارة, بها تطرد الكلابُ، ومنها تبنى في بلدانكم سفارة, منها أصنع خطوط دفاعي وأركم بعضا منها على محيط المزرعة لأن الخنازير تعبث بالمحاصيل وأنا على الأرض مؤتمن...

أنا علمت إن نهضت شعوبكم وجدث ثلاثة سياط: أحدها سوط حكومة موالية لإيران , والثاني إيراني صنع في طهران، والآخر صهيوني لا يحتاج إلى برهان..

لم أتحدث إلى غيرهم.. لكنني أخال أني لمحت صبيا مصريا وآخر ليبيا  وآخر شنقيطيا شامخا؛ قال بلغة عربية سليمة: العرب يا أخي في ضياع منذ أضاعوا لغتهم لكننا هنا نصونها لكم.

انتهى الحوار عند الفجر وقت الأذان، وفي القلب شغف لمعرفة ما يحصل في السودان، الذي تم اقتطاع جنوبه بمؤامرة من مارد من جان..

مسكين أنت يا وطني العربي..

والرحمن ... الذي علم القرآن..

إن نفسي لتذوبُ من الأحزان..

بما دبّــر الغزاة الفرسُ والصهاينة من عدوان.. صار أبناؤك بين قتيل، وجريح، ومشرد.. صارت الأوطان هي: الفيضان أو المنافي أو الأكفان..

 

 

 

(*) كبير مراسلي قناتي العربي والحدث