أزمات طويلة الأمد في طريق إمدادات الحبوب عالمياً رغم بدء التصدير من أوكرانيا

جمعة, 05/08/2022 - 22:58

إسطنبول – الأناضول: نجحت جهود تركية في إعادة انسياب الحبوب للأسواق العالمية، بعد التوقيع على اتفاق مع روسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة، لتصدير الحبوب الأوكرانية من ميناء أوديسا. ومنح هذا الاستئناف لصادرات الحبوب الأوكرانية بعض الهدوء لأسواق الغذاء العالمية، بعد شهور من المخاوف المتصاعدة من احتمالية دخول اقتصادات خاصة في افريقيا بمجاعة. وتطمح أوكرانيا بتصدير 3.5 مليون طن من الحبوب بصدارة الذرة والقمح إلى السوق العالمية خلال الفترة المقبلة، مع بدء موسم الحصاد الصيفي في البلاد. لكن زراعة الحبوب وخاصة القمح تواجه مجموعة من المخاطر طويلة الأمد، والتي قد تؤثر سلباً على سوق الحبوب العالمية، وستدفع بها صعودا، حتى مع فرضية انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية. فروسيا، أكبر مُصدِّر للقمح عالمياً بمتوسط سنوي 44 مليون طن، بينما تأتي أوكرانيا في المرتبة الخامسة في تصدير القمح بمتوسط سنوي يتجاوز 18 مليون طن. وتراجعت أسعار القمح عالمياً من متوسط 550 دولارا للطن في مايو/أيار الماضي، إلى متوسط 300 دولار حالياً، وهي الأسعار تقريبا عشية الحرب في شرق أوروبا.

ومع ذلك فإن هذا ليس مدعاة للارتياح على المدى الطويل، وذلك بسب المخاوف المتعلقة بأسعار الطاقة. فالنفط اللازم لتشغيل الآلات الزراعية وتسيير الشاحنات والسفن المستعملة لنقل الحبوب يعتبر من أبرز المدخلات التي يجب أخذها في الاعتبار لدى تسعير القمح عالمياً.

وتسجل أسعاره حالياً، رغم انخفاضها مؤخراً، مستويات عالية قرب نطاق 100 دولار للبرميل من خام برنت القياسي العالمي. وتتوفر حاليا أسباب ارتفاع الطلب على النفط لمستويات مارس/آذار الماضي، قرب 130 دولارا بسبب زيادة الطلب العالمي، ومحاولة الغرب تهميش النفط الروسي -ثاني أكبر منتج للنفط بالعالم بمتوسط يومي 10.7 ملايين برميل-. وعانى المزارعون في الشهور الماضية من ارتفاع تكلفة الحصاد بسبب ارتفاع سعر النفط اللازم لتشغيل معدات وألات الحصاد والنقل من المزارع إلى مرافق التخزين، إلى جانب كلفة إضافية للنقل في البواخر إلى الأسواق المستهلكة. ففي عمليات الحصاد يحتاج المزارعون إلى الوقود، كذلك الأمر في عمليات نقل المحصول إلى مرافق التخزين، عدا عن كلفة الوقود المرتفعة عند نقل القمح للأسواق، وهي تكاليف يتحملها المستهلك النهائي. من جهة ثانية تظهر بيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «فاو» أن أسعار المواد الأولية اللازمة لصناعة الأسمدة، مثل الأمونيا والنيتروجين والنترات والفوسفات والبوتاس والكبريتات، ارتفعت بنسبة 35 في المئة، وفق بيانات هيئة السلع البريطانية. وتعد روسيا وأوكرانيا من بين أهم منتجي الأسمدة الجاهزة والمواد الخام اللازمة لتصنيعها. في 2021، كانت روسيا أكبر مصدر للأسمدة النيتروجينية في العالم، وثاني أكبر مورد لكل من الأسمدة البوتاسية والفوسفورية، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، وتستحوذ على 14 في المئة من مجمل صادرات الأسمدة عالمياً. علاوة على ذلك، يعتبر الغاز أحد المدخلات الرئيسية لإنتاج الأسمدة، في وقت تشهد أسعار الغاز الطبيعي أعلى مستوياتها منذ عام 2008، ما أدخل دول أوروبا في أزمة آخذة بالتصاعد. ومنذ بداية عام 2020، ارتفعت أسعار الأسمدة النيتروجينية أربعة أضعاف، بينما ارتفعت أسعار الفوسفات والبوتاس بمقدار ثلاثة أضعاف. وقبل التهديد بخفض الإمدادات من روسيا وبيلاروسيا، كانت أسعار الأسمدة تواجه بالفعل ضغوطا تصاعدية من اضطرابات سلسلة التوريد العالمية، وحظر الصادرات الصينية وإضراب السكك الحديدية الكندية. في حين أن معظم تركيز المناقشات حول ارتفاع الأسعار في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا قد هيمنت عليه الطاقة، من المتوقع أن تؤدي صدمة الإمداد إلى الأسمدة والقمح والحبوب الأخرى إلى تفاقم مشكلة حجم إنتاج الغذاء.

وأضافة إلى الأخطار التي يتسبب فيها ارتفاع أسعار الطاقة على للإنتاج الزراعي، هناك الخطر البيئي. فكندا، وهي إحدى كبار منتجي القمح حول العالم، تواجه حالياً حالة جفاف غير مسبوقة، يتوقع أن تُخفض الإنتاج بنسبة 30 في المئة، حسب بيانات حكومية. ولأن زراعة القمح حول العالم تعتبر بعلية بنسبة تزيد عن 99 في المئة، فإن تطرف الطقس حراَ في فصل الصيف وتطرفه برداً من في فصل الشتاء، وتداخل الفصول، سيفقد زراعة الحبوب وبالتحديد القمح انتظامه. وللمفارقة، فإن تغيرات المناخ شكلت دفعة إضافية هذا العالم لروسيا، التي سجلت انتعاشا في إنتاج القمح شمال البلاد، بسبب ارتفاع درجات الحرارة. وأورد تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي أن الزراعة في جنوب افريقيا التي تشهد موجة غير مسبوقة من الحر هي القطاع الأكثر تضرراً بسبب تغير المناخ، حيث أن 95 في المئة من المساحة المزروعة بعلية. وعلى الرغم من زيادة غلات المحاصيل عالميا بسبب الزيادات في المساحات المروية واستخدام أصناف البذور المحسنة، إلا أنها لم تكن قادرة على تلبية الاحتياجات الغذائية لعدد السكان، مما يهدد أهداف الأمن الغذائي العالمي.