وثيقة امريكية: موريتانيا تشكو لواشنطن من اسبانيا عام 1975

أحد, 08/01/2023 - 23:53

ترجمة: اقلام

 أفرجت وزارة الخارجية الأمريكية عن وثيقة تكشف أن موريتانيا كانت تعتبر الصحراء الغربية أرضا موريتانية إلى حدود شمال مدينة العيون. وهو ما يعني أنها كانت تعتبر أن ’’طرفاية’’ وحدها هي الجزء المغربي من الصحراء، وما يقع جنوب طرفاية فهو تراب موريتاني.
 الوثيقة عبارة عن رسالة تحمل تقريرا عن لقاء تم بين محرر الوثيقة ووزير الخارجية الموريتاني آنذاك حمدي ولد مكناس قبل  خمسة أشهر من اصدار محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري حول الصحراء. وكما تبين الوثيقة خفايا الطموح الموريتاني، تبين كذلك أن إسبانيا كانت حتى قبل صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية تريد مغادرة الصحراء.
 
وثيقة رقم 01074 بتاريخ 31 مايو 1975 من سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بنواكشوط إلى وزارة الخارجية الأمريكية
 
يقول محرر الوثيقة:
 
1. استدعاني وزير الخارجية الموريتاني السيد حمدي ولد مكناس بصورة عاجلة في أول صباح يومه الواحد والثلاثين من مايو حتى أسجل الاعتراض الموريتاني الصارم على قرار الحكومة الإسبانية (المتضمن في الرسالة الأخيرة إلى الأمين العام للامم المتحدة) والذي مفاده أن الحكومة الإسبانية؛ وفي غياب حل آخر سوف تحدد من جانب واحد موعد جلائها عن الصحراء، وأنها سوف تسلم الصحراء للجهة التي سوف تختارها بنفسها، وليحثني على أن أطلب من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها دولة عظمى وصديقة لإسبانيا أن تتدخل لدى هذه الأخيرة لتحثها على تحمل مسؤلياتها كعضو في هيئة الأمم المتحدة، وتحافظ على الوضع الحالي في الصحراء إلى أن يتمكن المجتمع الدولي من العمل على تنفيذ برنامج مفصل لانهاء الاستعمار.
وأبلغني الوزير الموريتاني أن حكومة بلاده قد بعثت بموقفها هذا إلى الأمين العام الأممي نهار أمس وأن بيانا بذلك سوف يتم توزيعه هذا اليوم في نيويورك.
2. المقاربة الموريتانية في ما يخص الصحراء تقطع تماما مع ممارساتها الديبلوماسية في الماضي؛ فهذه أول مرة يبادر فيها وزير الخارجية الموريتاني إلى مناقشة الخلاف مع سفارة، وإلى طلب دعم الولايات المتحدة الأمريكية للموقف الموريتاني، أو إلى طلب مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية. وفي تحرك موازٍ؛ أعرب الرئيس الموريتاني ولد داداه بنفسه شخصيا عن الموقف الموريتاني في مقابلة مع وكالة فرانس بريس نشرتها صباح هذا اليوم.
3. وقد توسع الوزير ولد مكناس في توضيح الموقف الموريتاني من خلال قوله إنه إذا كانت إسبانيا ترغب في إنهاء الاستعمار فإن عليها أن تواصل خطوات مسؤولة للحفاظ على الوضع الراهن في الصحراء إلى أن تصدر محكمة العدل الدولية فتواها المرتقبة وأن يتفق المجتمع الدولي على المسطرة التي يجب اتباعها في إنهاء الاستعمار بما يحدد لكل طرف من الأطراف المعنية دوره (وربما في الدورة العادية المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة سوف تناقش مشكلة الصحراء باستفاضة وتفصيل). فإسبانيا لا يمكنها أن تحتل منطقة وتفرض عليها حكمها وقوانينها لمدة تزيد على نصف قرن؛ تستفيد خلاله من المنطقة المحتلة اقتصاديا؛ ثم تغادرها هكذا وتذهب. بل؛ والأسوأ أن تحاول إسبانيا من جانب واحد أن تفرض الطرف الذي تريد أن تضعه على رأس القيادة السياسية للتراب المعني في المستقبل على المنطقة وعلى المجتمع الدولي. وأكد الوزير الموريتاني أن حكومة إسبانيا عليها تجاه الأمم المتحدة مسؤولية الحفاظ على الشروط اللازمة لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة؛ السياسية والقانونية .وإذ اعترف بالمسؤولية الداخلية لبلاده في المشاكل الأمنية التي حدثت في الآونة الأخيرة؛ فإن ولد مكناس أكد أنه ينبغي على إسبانيا ألا تنزعج من بعض الاضطراب السياسي أو حتى من عنف قد يقع خلال زيارة للجنة أممية؛ فالفورة المفاجئة الأخيرة ليست أكثر من عادية ومتوقعة بارتباط مع ضغط روتيني من أجل تصفية الاستعمار.
4. وإذا كانت الحكومة الإسبانية مع ذلك مصرة على المغادرة الفورية للصحراء فإن حكومة موريتانيا تقبل لحكومة مدريد بهذا التصرف؛ ولكن ، إذا ما قررت الحكومة الإسبانية السير في هذا الاتجاه فإن عليها ألا تنفرد باتخاذ قرار من جانب واحد في اختيار الكيان الذي ستنصبه في الصحراء فهذا الكيان لا يجوز أن يختار من طرف المستعمر.
5. كان ولد مكناس يتحدث بهدوء ولكن بحزم وثبات. ومع كامل الوعي بوضع بلاده في خضم الأحداث؛ أعلن وزير الخارجية الموريتاني أن موريتانيا على الرغم من ضعفها الواضح، فإنها لن نقبل أبدا بالمحاولات الإسبانية هذه لفرض مخرج مسبق للمشكلة من جانب واحد . وأضاف زيادة على ذلك أنه قد بين هذا الموقف للإسبان بكامل الوضوح.
6. وقال ولد مكناس إن حكومة بلاده تعترف بحقيقة أن الاقتصاد الإسباني قد ساهم في الاستثمار بالصحراء، وصرح بأن الحكومة الموريتانية تقبل تماما وبصدق بمبدء أن يكون كل مستثمر قادرا على استرداد رأسماله الاستثماري الأصلي مع عائد معقول من الأرباح عن رأسماله.
ولكن؛ إذا ما غادرت إسبانيا بشكل متسرع ودون سابق اتفاق، وإذا حاولت فرض مستوطنة على الصحراء وعلى الدول العربية الثلاث المجاورة؛ فإن على الإسبان أن يكونوا على يقين بأنهم سيفقدون كل رأسمالهم مع الأرباح وكل شيء.
7. وبالعودة إلى المشكل الجوهري للصحراء، أشار ولد مكناس إلى العلاقات التاريخية والإثنية والأسرية والثقافية التي تربط بشكل وثيق بين موريتانيا و الصحراء. وقد أكد أن الصحراء ’’على الأقل إلى حدود شمال مدينة العيون هي أرض موريتانية’’. وأكد لي أن الكثير من الأسر قد فرقها التقسيم الحالي الذي وضع هذه الحدود المصطنعة التي جعلت أن إخوة وأعماما وبني أعمام وأخوال يعيشون متفرقين؛ جزءٌ في موريتانيا وجزء في الصحراء.وأكد أن نفس الوضع موجود بالنسبة لأسر تعيش متفرقة بين الصحراء والمغرب.
ولمزيد من توضيح هذه النقطة أخبرني الوزير الموريتاني أن الحكومة الموريتانية توصلت للتو بإحاطة بلغتها من أسرة تعيش في الجانب الموريتاني من الحدود المصطنعة عم علمها بخبر موت أو إصابة أحد أفراد الأسرة بالصحراء في حادث.
8. وصرح لي ولد مكناس أن الحكومة الموريتانية والملك الحسن على اتفاق تام فيما يخص حل مشكل الصحراء. وأن السؤال فقط هو في تحديد بدقة مدى التراب الذي سيدخل في سيادة كل جانب. وهذا يعني أن الاتفاق الثنائي على تقسيم الصحراء كان متفقا عليه مسبقا. وأكد ولد مكناس كذلك أن موريتانيا تقبل بالجزائر كطرف معني في النزاع بحكم انتمائها لدول المنطقة على الرغم من أنها ليست لها مطالب ترابية في الصحراء. وأشار إلى العلاقات المتميزة والحميمية بين موريتانيا والجزائر، ولكنه أكد أن الجزائر بنظامها المختلف إيديولوجيا عن النظام المغربي سقطت في خلاف مع المغرب منذ أن بدأ المغرب وموريتانيا يطالبان بالصحراء (يعترف ولد مكناس ضمنيا هنا بالخلافات بين الجزائر والمغرب حول هذه القضية وحول قضايا أخرى غيرها ولكنه يتجاهل ذلك). وأبلغني الوزير الموريتاني أنه كان قد ناقش مشكل الصحراء مطولا مع الرئيس الجزائري هواري بومدين قبل بضعة أيام، وأكد أن الجزائر وموريتانيا هما على اتفاق تام حول مسألة القرار.
9. وختم ولد مكناس كلامه بالتصريح بأنه استدعاني على استعجال لأن:
(أ) الولايات المتحدة الأمريكية صديق قريب لموريتانيا؛
(ب) الولايات المتحدة الأمريكية دولة عظمى؛
(ج) الولايات المتحدة الأمريكية صديق مقرب من إسبانيا ؛
و (د) الرئيس الأمريكي ’’جيرالد فورد’’ هو في هذه اللحظة في مدريد ويجري محادثات واسعة مع دوائر عليا في إسبانيا.
وذكر الوزير أن الحكومة الموريتانية تأمل من الحكومة الأمريكية أن تضغط على حكومة إسبانيا حتى تعمل بانتظام وعناية على وضع برنامج مضبوط لإنهاء الاستعمارفي الصحراء الغربية ، كما أكد على أهمية تصرف إسباني مسؤول بالحفاظ على الوضع الراهن في جميع مظاهره إلى أن يتم التوصل إلى مَخرج مفصل من طرف المجتمع الدولي. وفي الأخير أكد على أن الحكومة الموريتانية لن تقبل أبدا بقرار إسباني من جانب واحد ينقل السلطة على الصحراء إلى كيان تختاره إسبانيا لوحدها.
01. ردا على ذلك، أشرتُ إلى أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية اتخذت دائما موقف الحياد التام والصارم فيما يخص نزاع الصحراء، ولكنها كانت وستظل دائما مستمرة في حث الأطراف الأربعة المعنية مباشرة بالمشكل (والذين هم جميعا أصدقاء مقربين لنا) على العمل بالشكل المسؤول من أجل التوصل إلى حل سلمي لكل المشاكل الصعبة. وقد اكدت للوزير الموريتاني أنني سوف أبلغ وجهة نظره فورا للسلطات الأمريكية.