مُذكرات السجين الموريتاني السابق بسجون البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة الثانية)

خميس, 17/10/2019 - 15:35

في طريق العودة مع صديقي وأنا أحمل حقيبتي الصغيرة التقينا صدفة بإحدى أخواتي فارتابت في أمرنا وسألتني إلى أين أذهب بالحقيبة فزعمت لها أني ذاهب لأقضي عطلة الربيع مع أخوالي في البادية ، وهو أمر كنت أعتاد عليه من وقت لآخر، غير أني رأيت في نظراتها انها لم تصدقني ، لذلك اقترحت على رفيقي أن نقضي ما تبقى لنا من وقت قبل الرحيل في مكان لا يعرفه احد من محيطنا حتى لا تنكشف خطتنا ، وهو ما تم بالفعل ، فقد اتصلنا بالوسيط الذي سيسفرنا إلى مخيمات تيندوف واسمه (ماء العينين ولد الزمراكي) ، والذي سنعرف فيما بعد انه ليس سوى متاجر بالبشر يقبض ثمن الشباب الموريتاني من طرفي النزاع في الصحراء إذ كان بمثابة عميل مزدوج لهما ، فأمن لنا مكانا منعزلا قضينا فيه ليلتين قبل اليوم الموعود .

في الصباح الباكر من اليوم العاشر من أبريل 1979 أيقظنا الوسيط (العميل) وطلب منا أن نجهز أنفسنا للرحيل ثم خرج ليعود إلينا بسيارة أجرة في حدود الساعة العاشرة صباحا ، وكنا جاهزين فركبنا معه وتوجهنا إلى المحطة الطرقية في انواكشوط ، والتي كانت يومها توجد بمقاطعة " لكصر" ، وهناك وجدنا شابين آخرين بانتظارنا لمرافقتنا في الرحلة ، وهما الصديق أمَان ولد بمبا ولد الخالص ، والمرحوم محمدن ولد أحمد يامر ولد البربوشي الذي سيقتله جلادو البوليساريو فيما بعد ، وكانت تلك أول معرفة لي بهما ، غير أنه ومنذ اللحظة الأولى ساد بيننا انسجام غريب ، وكأننا كنا نعرف بعضنا بعضا منذ زمن بعيد ، وقد اكتشفت خلال تلك الرحلة أن كلا منهما يتمتع بصفات جميلة تخفف عن مرافقه متاعب السفر ، فقد كان (محمدن) رحمه الله على هدوئه خفيف الظل ، يجعل محدثه يضحك باستمرار رغما عنه ، بينما كان (أمًًان) مشاكسا ، يمتلأ حيوية ونشاطا ، واثقا من نفسه رغم صغر سنه ، وخدوما رغم أنفته .

من الثمن الذي قبضه الوسيط استأجر لنا سيارة من انواكشوط إلى مدينة روصو على الحدود مع السنغال ومنها إلى دكار حيث كان من المفترض أن نجد الشخص الذي سيصبح في ما بعد من أكبر جلادينا في انتظارنا ليصحبنا إلى غينيا بيساو و منها إلى الجزائر.

تحركت بنا السيارة من انواكشوط في حدود العاشرة والنصف صباحا ، وفي الطريق كان الحديث كله تقريبا يدور حول الثورة وحياة الثوار ، وكان مرافقنا الذي قبض ثمننا يروي لنا قصصا – عرفنا فيما بعد أنها من نسج خياله الوسخ – عاشها في جبهات القتال وهو يقود فرقة من مقاتلي البوليساريو ، وكان يتحسر على فراقه للمقاتلين بسبب عمله الجديد الذي رأت " القيادة – حسب زعمه – أنه هو الضامن لاستمرارية الثورة ، وبالرغم من أنه كان ثقيل الظل والروح والشكل فقد استأنسنا بقصصه وصدقنا بطولاته المزيفة قبل أن نعرف الحقيقة ، ومن السخرية أن الذين يدعي القتال والعمل معهم هم من قالوا إن قدمه لم تطأ قط أرض " الحمادة " ونعتوه بالشخص البخس الذي يبيع كل شيء من أجل المال .

يتواصل ...........

السفير