مذكرات الأسير بسجون البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة السابعة)

أربعاء, 06/11/2019 - 00:23

كذبة ابريل في (بولا) : استمرت الرحلة أكثر من خمس ساعات لنصل حوالي الساعة العاشرة ليلا إلى تلك المدينة (بولا) التي أصبحنا فيما بعد نرمز باسمها إلى بداية فصل من أية قصة بائسة ، وكنا قد وصلنا إلى أقصى درجات التعب التي يمكن أن يتحملها الجسم البشري ، وفي الطريق كانت احدى المسافرات قد تبرعت لنا بفاكهة لم نر مثلها من قبل وبعد تناولنا لها أصيب بعضنا بالاسهال وآلام في البطن مما فاقم المعاناة . غير أن كثرة محطات توقف الحافلة وكثافة الأشجار كان في صالح المصابين منا وفوق هذا كله كنا الأربعة نعاني من صداع فظيع بسبب عدم تناول الشاي طيلة ذلك اليوم .

كنا نعتقد أننا حين نصل هذه المدينة أنه بستطاعتنا مواصلة الطريق إلى العاصمة (بيساو) والبحث عن مكتب البوليساريو لتنتهي رحلة العذاب هذه إلا أننا أدركنا بعد نزولنا في المحطة أن ذلك الهدف لن يتحقق إذ لا توجد سيارة واحدة في تلك المحطة فوقفنا مشدوهين وكأن قدرتنا على التفكيروالتصرف قد شلت ولولا روعة وحيوية (قائدنا أمان ولد الخالص) لكان بعضنا أصيب بالانهيار حيث ذهب للبحث عن شخص يمكن التواصل معه وبالفعل فقد نجح في الأمر إذ عاد ومعه شاب يبدو أنه من أهل المدينة يتحدث فرنسية محروقة ولكنها كانت أكثر سلاسة من لغة الإشارة ففهمنا منه أنه سيدلنا على "أحد أقاربنا" ويقصد بصلة القرابة تلك أنه موريتاني وهو صاحب محل تجاري يوجد بالقرب من المحطة ، وفي الطريق ونحن نسير خلف دليلنا اتفقنا أنه في حالة ما إذا سألنا هذا "القريب" عن وجهتنا ندعي أننا ذاهبون لزيارة قريب لي أنا يعمل في السفارة الموريتانية في غينيا بيساو وقد اتضح لنا فيما بعد أنها كانت كذبة ابريل فالعلاقات الديبلوماسية بين البلدين مقطوعة منذ بعض الوقت على خلفية اعتراف الحكام في بيساو بالبوليساريو إبابان حرب الصحراء .

وصلنا إلى المحل المقصود فاستقبلنا صاحبه بالترحاب وكأنه قرأ في وجوهنا ما بنا من تعب وعطش وجوع إذ دخل بسرعة إلى غرفة ملحقة بالمحل وخرج يحمل حصيرا كبيرا بسطه أمام المحل ثم عاد وأتى بمخدات وضعها على الحصير وهو يخاطبنا بأن تفضلوا ، وما كدنا نجلس حتى كان عماله قد أحضروا لنا قداحا ملأى بالمذيق البارد فشربنا منه حتى كدنا نتواصل بالإشارة وكانت تلك الشربة بالنسبة لي آخر عهدي بالمستيقظين حيث غططت في نوم لم يقطع حلاوته سوى مذاق كأس من الشاي أيقظني ذلك السيد ليضعه في يدي ، وليته كان يعلم أنه كأنما وضع الدنيا بمتاعها في تلك اليد ، والغريب في ذلك الرجل هو أسلوبه النفسي والانساني في التعامل معنا ففي ما يبدو أنه تحاشي لازعاجنا لم يسألنا عمن نكون ولا عن وجهتنا إلا بعد أن تناولنا طعام العشاء وعادت لنا الحياة  وبدأ هو في إعداد الشاي من جديد وحين أخبرناه بالوجهة التي اتفقنا على أن نخبره بها ضحك وقال ؛ على العموم مرحبا بكم ولستم المجكوعة الأولى التي تمر بنا متجهة إلى الصحراء أما سفارة موريتانيا فقد مضى عليها وقت وهي مغلقة ثم تساءل ممازحا إن كانت قد فتحت من جديد ؟.

وبطبيعة الحال لم يكن الرجل ينتظر منا جوابا وساد الصمت إذ لم يعد ما يمكن قوله بعد كذبة ابريل تلك ونحن يومها في العشر الأواخر منه ، وبعد أن أكمل الشاي اصطحبنا إلى داره التي كانت خالية من السكان ومؤثثة جيدا ثم زودنا بكل ما نحتاجه من أغطية وماء للشرب لو احتجنا إليه وتركنا لنغيب عن العالم في نوم عميق .