بعد نجاحه أبطال فيلم «الموريتاني» لـ«القدس العربي»: يقلب النظرة الهوليوودية للعرب والمسلمين

خميس, 18/02/2021 - 17:06

لوس أنجليس – «القدس العربي»: عقب ضربات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2001، أعلنت الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب وتحديداً ضد تنظيم «القاعدة» الذي نفذ تلك الضربات. فجابت وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إي) دول العالم بحثاً عن جميع من يشتبه بعلاقتة بالتنظيم، كما اعتقلت أو اختطفت العديد منهم ونقلتهم الى معتقلات سرية في دول عربية، حيث استخدمت وسائل التعذيب الشائعة هناك في التحقيق معهم، قبل أن تنقلهم الى الوجهة الأخيرة، قاعدة عسكرية في خليج غوانتانامو الكوبي، حيث زجتهم في معتقل بُني خصيصا لهم هناك، واستمرت في التحقيق معهم وتعذيبهم.

قصة أحد هؤلاء المعتقلين وهو مهندس الاتصالات الموريتاني محمدو ولد صلاحي، يطرحها فيلم هوليوودي جديد، تفتتح أحداثه في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2001 عندما تختطف السلطات الموريتانية صلاحي من بيته وتسلمه للاستخبارات الأمريكية، التي تنقله إلى غوانتنامو، حيث يتم التحقيق معه عن نشاطه في تنظيم القاعدة، متهمة إياه بالتخطيط لضربات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. وعندما ينكر التهم الموجهة إليه، يستخدم جهاز «سي آي إي» أساليب تعذيب مروعة، كإيهامه بالغرق، وتهديده بالقتل أو باغتيال أمه، والإذلال الجنسي، والحرمان من النوم، إلى أن يعترف بكل التهم.

الفيلم يستند على كتاب ولد صلاحي «يوميات غوانتانامو» الذي كتبه بينما كان معتقلاً عام 2005 ونُشر عام 2015 ليصبح أحد أكثر الكتب مبيعاً، ما لفت انتباه المخرج الإسكتلندي، كيفين ماكدونالد، المعروف بإخراج أفلام وثائقية ودرامية مثل «يوم في سبتمبر» الفائز بالأوسكار، بالإضافة إلى «لمس الفراغ» و»آخر ملوك اسكتلندا» و»ويتني».

 

قصة إنسانية

 

وفي حديث مع ماكدونالد عبر خدمة زوم، قال لي إن غايته لم تكن صنع فيلم سياسي، بل طرح قصة إنسانية. «عندما قابلت محمدو، فوجئت به كثيرًا. لأنه رجل لم تنكسر شوكته، حتى بعد أن قضى 14 عاما في السجن، دون أن توجه إليه أي تهم. إنه رجل لم ينسكر حتى بعد تعرضه لأقصى ضروب التعذيب التي تخطر على بالك، وهو في الحقيقة يتمتع بروح مرحة، وهذا مثير للاهتمام حقاً. لديه حنان إنساني عظيم وذكاء شديد. إنه شخص غير عادي وكان يجب صنع فيلم عنه في أية حال. ولكنه أيضاً وسيلة لنا للتقصي بشأن غوانتانامو وما حدث هناك».

إلا أن هناك العديد من الأفلام التي سبرت ذلك الموضوع، مثل «التقرير» و«النائب» و«ترحيل» و«تاكسي إلى الجانب المظلم» و«الطريق إلى غوانتانامو» و«30 دقيقة بعد منتصف الليل» التي كشفت عن خفايا الحرب الأمريكية على الإرهاب وافتقارها للشرعية القانونية والقيم الأخلاقية، لا سيما في ما يخص إخضاع المشتبه بهم للتعذيب.

«تدور تلك الأفلام حول شخصيات أمريكية وتظهر صور الضحايا على شكل ومضات من جثث أناس مجردين من إنسانيتهم ولا تعرف من هم» يعلق المخرج. «لا توجد أفلام عن غوانتانامو أو حتى عن سائر الحرب على الإرهاب من وجهة نظر المسلمين والتي أضفت طابعاً إنسانياً على مثل هذه الشخصية وجعلتها في قلب الأمور.»

لأداء دور ولد صلاحي، اختار ماكدونالد نجماً عربياً عالمياً لامعاً وهو الممثل الفرنسي – الجزائري الأصل طاهر رحيم، الذي شارك في فيلمه «النسر» عام 2009 بعد أن سطع نجمه في الفيلم الفرنسي «نبي» الذي رُشح للأوسكار عام 2008 ونال عنه جائزة السيزار الفرنسية.

ومنذ ذلك الحين قام ببطولة أفلام أبرز المخرجين العالميين، على غرار فيلم الإيراني أصغر فرهادي «الماضي» وفيلم التركي الألماني فاتح أكين «القطع» وملحمة جون جاك انود «الذهب الأسود» لكنه رفض الأدوار الهوليوودية، لأنها كانت نمطية، إلى أن أقنعه عميل «أف بي آي» اللبناني الأصل علي صوفان بتجسيده في مسلسل «برج في الأفق» عام 2018.

ومنذ ذلك الحين شارك في بطولة عدد من المشاريع الهوليوودية مثل فيلم «ماري ماغدالين» ومسلسل «نتفليكس» من إخراج داميان شازيل «ذي ايدي» ومؤخراً قام ببطولة مسلسل «نتفلكس» آخر وهو «الثعبان».

 

طرح من منظور مسلم

 

وقد وافق على تجسيد دور محمدو بعدما أكد له ماكدونالد أن سيطرحه من منظور مسلم. «قصة الفيلم جذبتني لأنها ليست نمطية» يوضح رحيم في حديث معي عبر «زووم» من بيته في باريس. «يعني إذا أخذت هذه القصة ووضعتها في سياق آخر فستعمل الطريقة نفسها. إذا تحدثنا عن الطريقة التي يتم بها تصوير الشخصيات العربية فإن إظهارها بصورة إنسانية يعتبر طريقة جديدة عموماً، وهذا يتجاوز حقيقة أن محمدو بريء أو مذنب حتى لو كنت أعتقد أنه بريء في هذه الحالة. هذا إبراز وجه مختلف عنا. ومن المهم جدا أن نظهر للجمهور ما نراه نحن على أرض الواقع ومن لدينا في عائلاتنا. لهذا أبهرني هذا الدور. وعندما التقيت بمحمدو شعرت أن لدي مسؤولية كبيرة لأداء دوره على الشاشة لأن هذه قصة حياته وليست مجرد فيلم.»

اتهام المخابرات الأمريكية ولد صلاحي بالانتساب لتنظيم القاعدة لم يأت من فراغ، فقد بايع التنظيم بداية التسعينيات وتدرب مع عناصره في أفغانستان، أثناء حرب التنظيم المدعوم حينها من الإستخبارات الأمريكية ضد حكومة نجيب الله الشيوعية. ورغم أن ولد صلاحي ترك أفغانستان بعد سقوط النظام عام 1992 لكنه ظل على تواصل مع ابن عمه أبو حفص الموريتاني، الذي كان أحد المقربين من أسامة بن لادن، وآوى أعضاء الخلية التي نفذت ضربات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ليلة واحدة في شقته في ألمانيا. لكنه ينكر أنه كان على علم بمخططاتهم.

«أنا لا أعرف تماماً أنه لم يفعل شيئا ولا أدعي في الفيلم أنه بريء» يعلق ماكدونالد. «ما أقوله هو أنه سُجن لمدة 14 عاما، دون محاكمة ولم يكن هناك دليل على أنه فعل أي شيء على الإطلاق مع أن الحكومة الأمريكية أنفقت الملايين من الدولارات في محاولتها لجمع الأدلة ضده وفشلت. لذلك هذا أقرب ما يكون الى البراءة. الأمريكيون يتفاخرون بمبادئهم الدستورية، التي تقول إنه بريء حتى تثبت إدانته، لكنهم فشلوا بالالتزام بتلك المبادىء، التي تملي عدم زج الناس في السجون دون محاكمتهم.»

ممارسات الحكومة الأمريكية في غوانتانامو أثارت الجدل في الولايات المتحدة وأشعلت استنكار جمعيات حقوق الإنسان ضدها، ما جذب اهتمام المحامية الأمريكية، نانسي هولاندر، التي قررت أن ترفع دعوى ضد الحكومة. ومن أجل تحقيق ذلك، كان عليها أن تجد موكلاً من المعتقلين، وذلك لم يكن سهلا لأن «سي آي إي» كان ينكر وجود المعتقلين. فانتظرت حتى طلب منها محام فرنسي، وهو إيمانويل انتيت أخذ قضية ولد صلاحي. وبعد موافقة شركتها، انطلقت إلى غوانتانامو لمقابلته.

 

وسائل التعذيب وخرق القانون

 

«لم أكن أعرف عن محمدو شيئا قبل أن ذهبت لرؤيته في غوانتانامو» تقول هولاندر في مقابلة عبر زوم. « كنت قد كتبت له رسالة ولم أكن أعرف إذا كان قد تلقاها بالفعل أم لا حينها».

وتطالب هولاندر السلطات بمحاكمة ولد صلاحي وتقديم الأدلة ضده إذا أرادت أن تبقيه في السجن. فتعين السلطات مدع، يدعى ستيوارت كاوتش، الذي يقرر المطالبة بحكم الإعدام ضد صلاحي. بينما تقوم هولاندر بالدفاع عنه مجانا مع أنها لم تكن واثقة من براءته.

«أنا محامية دفاع جنائية ودائما ما أمثل أناسا ليسوا أبرياء» تقول هولاندر. «إنهم متهمون وعلى الحكومة أن تثبت التهم بما لا يدع مجالا للشك أنهم غير مذنبين.»

لكن الإرهاب ليست مجرد جريمة وخاصة التورط في ضربات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، التي تعتبر أكبر اعتداء على الولايات المتحدة منذ قصف اليابان لبيرل هاربر في جزر هاواي بداية الحرب العالمية الثانية. لهذا فإن الدفاع عن أحد المتهمين بالتخطيط لها يعتبر خيانة في نظر الكثير من الأمريكيين. لكن رغم التحديات والعداء الذي تواجهه هولاندر من السلطات، التي تكوّم جبلا عارماً من العقبات أمامها لكي تفشل مهمتها، الا أنها تستمر في مطالبة الحكومة بتقديم أدلة ضد وكيلها.

وجذبت هولاندر بعض المعجبين المشاهير، من ضمنهم النجمة الهوليوودية الحائزة على جائزتي أوسكار، جودي فوستر، التي عادت للتمثيل بعد غياب دام خمسة أعوام من أجل تجسيدها في الفيلم.

«هي أمرأة غير عادية وشخص يعد بطلاً بالنسبة لنا» تقول فوستر في لقاء عبر زوم. «هي شخص قرر أن يجعل عمل حياته يتمحور حول الدفاع عن الدستور والدفاع عن سيادة القانون. وهذا يعني أنها بصفتها محامية دفاع دافعت عن الكثير من المذنبين، ما فرض عليه أن توجد لنفسها نوعاً من الدرع العاطفي كي لا تقترب كثيراً، حتى لا تشعر بالحزن مراراً وتكراراً.

ومع ذلك، غيّر محمدو نظرتها للعالم تماماً في النهاية. كان هذا صحيحاً جداً في قصة نانسي. لكن بالطبع، أجرينا بعض التعديلات واخترت إبراز أجزاء معينة من شخصيتها وربما إخفاء أجزاء أخرى.»

بداية، يبدو واضحاً أن هولاندر ليست معنية بتبرئة ولد صلاحي وأن غايتها هي تطبيق القانون بشأن تقديم أدلة تبرر حجزه، ما يثير غضبه، مصراً على أنه بريء وأن عليها أن تصدقه إذا أرادت أن تمثله. ومن خلال التعرف عليه، تدريجياً تثق به وتصدقه. ولحسن حظها، المدعي العام كاوتش أيضاً يؤمن بالدستور الأمريكي وسيادة القانون، إذ يرفض الأدلة التي يقدمها «سي آي إي» بعد أن يكتشف أنها حصلت عليها بوسائل التعذيب ويرفض تمثيل الحكومة في المحكمة.

لكن رغم أمر القاضي السلطات الأمريكية بإطلاق سراح ولد صلاحي عام 2010 لعدم وجود أدلة ضده إلا أنها أبقته معتقلاً في غوانتانامو حتى عام 2016. وما زال ممنوعاً من السفر خارج بلده موريتانيا.

«عندما تذهب إلى المحكمة، عليهم إدانتك بما لا يدع مجالا للشك» يقول ولد صلاحي في حديث عبر زوم من بلده في موريتانيا. «لكن في حالتي، هم لا يحتاجون ذلك. كل ما كان على الحكومة الأمريكية قوله هو: يحتمل جداً أن يكون رجلا سيئاً. لكن لم يتمكنوا حتى من إثبات أنني شخص سيئ على الأرجح.»

في الفيلم، خصم ولد صلاحي هي السلطات الأمريكية، التي تتصرف بصورة لا أخلاقية وغير قانونية، بينما لا يُذكر دور السلطات الموريتانية في اختطافه من بيته وتسليمه لدولة أخرى دون إعلام عائلته وأهله عما حدث له. ولم يعرف ذووه عن مصيره إلى أن ذُكر اسمه في تقرير تلفزيوني ألماني عن معتقل غوانتانامو.

«هذا فعل مخز ومخجل للغاية» يعلق ولد صلاحي. «أن ينتهك بلدك دستوره وينتهك القانون الدولي بحقك. هذه جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بمرور الزمن. لكني اخترت أن أغفر لبلدي وللولايات المتحدة.»

 

الشخصيات الأمريكية المعادية

 

مع أن الفيلم لا يبرئ ولد صلاحي إلا أنه يقلب معادلة الأفلام الهوليوودية السائدة، إذ يقدمه كإنسان مرح ومتسامح ومحب ومثقف ولطيف المعشر، بينما يقدم الشخصيات الأمريكية المعادية له كشخصيات غاضبة وناقمة ومتطرفة ولا أخلاقية.

وهذه مخاطرة من قبل ماكدونالد، علماً أن المخرج العريق ريدلي سكوت واجه استنكاراً لاذعاً من المحافظين في الولايات المتحدة عام 2006 عندما قلب تلك المعادلة الهوليوودية وجعل من الزعيم المسلم، صلاح الدين الأيوبي، أسمى قيماً وأخلاقاً من خصومه الصليبيين، الذين يبدون كأشرار بشعين.

«أعتقد أن ذلك مثير للجدل» يضحك ماكدونالد، الذي أصر على اختيار نجوم بارزين مثل فوستر والبريطاني بنديكت كامبرباتش من أجل تسهيل قبول طرحه للجمهور الأمريكي. «كنت أفكر بأن هذا الأمر سيكون صعباً للغاية بالنسبة لبعض أفراد الجمهور. لهذا فوستر وكومبرباتش شاركوا فيه لأنهما أرادا أن يكونا بديلاً للجمهور بطريقة ما. إنهما سبيل الدخول إلى هذا الفيلم والتعرف من خلالهما على هذه الشخصية. وهما ممثلان بلا غرور. فقد كانا يصنعان فيلماً في خدمة هذه الشخصية، من أجل تقديمه إلى أعرض جمهور ممكن، لأنه لا مغزى من صنع فيلم عن شخصية مثل هذه إذا لم يشاهده سوى أقلية ضئيلة من الليبراليين، الذين يشاهدون مثل هذه الأفلام. فلقد أردت أن أصنع فيلماً يذهب لرؤيته معجبو جودي فوستر ومعجبو بنديكت كومبرباتش مهما كانت اتجاههم السياسية وهذا هو الأمل الذي أتوخاه». نال الموريتاني إعجاب النقاد، الذين أشادوا باخراجه وأداءات ممثيله مثل رحيم وفوستر، اللذيْن رُشحا مؤخرا لجوائز الغولدن غلوب في فئات أفضل أداء. وبينما يترقب صانعو الفيلم ونجومه فرص منافسته على الجوائز العالمية، يترقبون كذلك استقبال الجمهور الأمريكي للفيلم ومدى تعاطفهم مع طرح ماكدونالد لشخصية ولد صلاحي، الذي ما زالت حكومتهم تعتبره إرهابيا.