رحلة “الجحيم”.. أحد الناجين الثلاثة يروي القصة بالتفاصيل الدقيقة

اثنين, 17/05/2021 - 05:09

أحد الناجين الثلاثة في القارب الذي تم العثور عليه وعلى متنه 24 جثة يعيد صياغة الرحلة الأكثر مأساوية على طريق الكناري.

 

كانت مروحية لوحدات الإنقاذ الجوي التابعة لسلاح الجو الإسباني، قد رصدت، عن طريق الصدفة، زورقًا في عرض المحيط الأطلسي، في 26 أبريل الماضي، على بعد حوالي 500 كيلومتر من شاطئ جزيرة El Hierro الكنارية.

 

وغادر الزورق الشاطئ الموريتاني في 4 من ابريل، وعلى متنه 63 شخصًا، نجا منهم ثلاثة فقط؛ أحدهم هو موسى، وهو مالي يبلغ من العمر 25 عامًا، أفقرته الحرب، وهو أب لطفل رضيع يبلغ من العمر عاما ونصف.

 

كان موسى أول من غادر المستشفى بعد أربعة أيام من إنقاذه، وفي يوم الجمعة الماضي، في إحدى حدائق مدينة تينيريفي الكانارية، يعيد الشاب المالي، صياغة الحديث عن كل يوم من تلك الرحلة بدقة، والتي كانت أكثر رحلات المهاجرين غير الشرعيين مأساوية على طريق الكناري.

 

يقول موسى: “في ليلة 4 من أبريل، أبلغونا بأنه حان وقت الرحيل، كنت قد أمضيت ثلاثة أشهر محبوسًا في منزل بانواكشوط معي تسعة أشخاص آخرين، لا نستطيع الخروج، كنت أذهب فقط إلى المسجد، لأنه إذا قبضت علي الشرطة في الشارع، فسيطردوني من البلاد.

 

 

في نفس الليلة، أخذنا سيارة أجرة، إلى مكان ما من العاصمة الموريتانية، حيث وضعونا جميعًا في شاحنة، ولم يتطلب منا الأمر سوى ساعة للوصول إلى الشاطئ، لم يتكلم أحد، لقد كانت ساعة صمت، والشاطئ مظلم، لا نرى شيئا، لكننا نتبع أوامر ثلاثة رجال.

 

أولاً، ركبنا قاربًا صغيرا أخذنا إلى الزورق الآخر، كنا سعداء، لأننا ذاهبون إلى أوروبا.

 

أحصيت 59 شخصًا، إضافة إلى أربعة أشخاص آخرين، هم رؤساء الرحلة، ويتولون أمر المحركات التي تدير الزورق، كما أن هناك امرأتين فقط، واحدة منهن حامل، كانت المساحة صغيرة، فالزورق ضيق للغاية.

 

اليوم الأول

 

عند الفجر، أدركنا أن ما وعدنا به رؤساء الرحلة ليس صحيحا، على متن القارب توجد خمسة براميل سعة 20 لترًا، لكن اثنين فقط منها بها مياه صالحة للشرب، الثلاثة الباقية مياهها ملح.

 

كان لدي بعض الحليب وعلب السردين التي اشتريتها من أجل الرحلة، لكنني تتركتها في المنزل الذي كنا نقيم فيه، بأمر من المُتجرين الموريتانيين، حيث أخبرونا بأن لا نحمل معنا أي شيء، فالقارب مجهز بشكل كامل.

 

اليوم الثاني

 

بدأت مياه البحر في الارتفاع وتسللت الأمواج إلى داخل الزورق، أمضينا ساعات في ضخ المياه خارج القارب بالدلاء، استمرت الأمواج الهائجة طيلة النهار، تقيأ الناس في أكياس وألقوا بها في البحر، لقد تقيأت في اليوم الأول فقط، لكن هناك أشخاص آخرون أمضوا ثلاثة أيام متتالية يتقيأون دون توقف.

 

اليوم الثالث.

 

نفد الماء والطعام!، وعدنا المُتجِرون من قبل، أننا سنكون في جزر الكناري في غضون ثلاثة أو أربعة أيام، في ذلك الوقت، كنا نظن أنه لا ينبغي أن يتبقى الكثير من المسافة، لكن الماء والطعام نفدا، ولم نعد نتحمل المزيد من تأخير الوصول.

 

اليوم الرابع

 

توقف أحد المحركات الثلاثة عن العمل في الصباح، لمدة ساعة حاول مديرو الرحلة الأربعة إصلاحه، وأخيرًا اشتغل، ثم نواصل مسيرنا، لكن بحلول منتصف الليل، نفد البنزين، فتوقف المحرك مرة أخرى.

 

رأينا ضوأين من مسافة بعيدة، اعتقدنا أنهم سيأتون لإنقاذنا، لكنهم لم يتحركوا، لا أعرف ما إذا كانت سفينة في البحر أم أنها مركبات برية، لم أكن قلقًا كثيرًا، ما زلت أعتقد أنني سأصل إلى اسبانيا لرؤية ريال مدريد وبرشلونة من قريب.

 

اليوم الخامس

 

سألنا رؤساء الرحلة عن المسافة المتبقية، نحن في وسط اللامكان ، لكنهم يخبروننا أننا على بعد 50 كيلومترًا فقط من شواطئ إسبانيا.

 

أراد الرؤساء استخدام المحركات كمرساة لمنع التيارات من جرف القارب، ويقولون إنه أمر خطير أن نضيع، أجرينا تصويتا، وفاز خيار المراسي، لمدة ثلاثة أيام، توقف تأرجح الزورق تقريبًا، بينما كنا ننتظر حتى يتم إنقاذنا.

 

اليوم الثامن

 

لم يأت أحد يبحث عنا، بدأ الناس في الاحتجاج ضد الرؤساء، الذين يريدون المضي قدمًا، حتى نحو المجهول، وقاموا بإسقاط المرساة، بدأت في القلق، شعرت بالجوع والبرد، بعد الجلوس لفترة طويلة.

 

اليوم العاشر

 

بعد أسبوع من عدم الأكل والشرب إلا من ماء البحر، يموت أول شخص! حاولت مساعدة المرضى، كان هناك الكثير منهم، كان صديقي بكاري وابني عمي بوبو من بين أول من مات، رميت بهم في الماء، كانت أصعب لحظة في الرحلة بأكملها، أنا بكيت، أنا نفسي أردت أن أموت.

 

اليوم الثاني عشر

 

في الليل، ترتفع أمواج من أربعة أو خمسة أمتار، ويبدأ الناس في القفز من القارب، أول واحد قفز، قال إنه سيشتري التبغ، وآخر كان رأى أمه أو منزله في الظلام، لم يكونوا انتحاريين، لقد فقدوا عقولهم من شدة الفزع، قفز حوالي ثمانية أشخاص في أعماق المحيط.

 

اليوم الثالث عشر

 

قام بعضنا بتقطيع علب الماء إلى نصفين لاستخدامها كمجاديف، حاولنا المضي قدمًا، اعتقدنا أنه لم يتبق لنا سوى القليل، لكننا شعرنا بالتعب بعد بضع ساعات.

 

اليوم الرابع عشر

 

استمر تفكيرنا في كيفية الوصول إلى إسبانيا، أخذنا المظلة التي كان يحملها الزورق لحمايتنا من أشعة الشمس وحولناها إلى شراع.

 

نظر أحد الرؤساء إلى نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وقال إننا قريبون من المغرب، لكننا لم نصدق ذلك، لم يكن يعرف أين نحن، وانتهى الأمر بنفاد بطارية الجهاز، لا أتذكر عدد الأشخاص الذين ماتوا في ذلك الوقت، فقدنا اثنين أو ثلاثة أو حتى أربعة.

 

اليوم الخامس عشر

 

عادت أحوال البحر السيئة، الزورق يقفز على الأمواج، نهض أحد القباطنة ليتفقد أمرا ما، فسقط في الماء، لم تكن لدى أحد القوة لمساعدته، حاولت، لكني لم أستطع، فقدت قوتي، كانت بطني تؤلمني كثيرًا.

 

اليوم السابع عشر

بعد أسبوع واحد من الوفاة الأولى، انخفض عدد ركاب الزورق بمقدار 36 شخصًا.

 

اعتبارًا من ذلك اليوم توقفنا عن رمي جثث أولئك الذين يموتون في الماء، لم تعد لدينا القوة لفعل ذلك، والأمواج تهز القارب.

 

اليوم الثاني والعشرون

 

في الصباح، كنت مستلقيا في حفرة في مظلة الزورق، سمعت صوت محرك طائرة، تستدير حولنا، صرخت عليهم وبدأت ألوح لهم، وفي نفس الوقت أدركت أن هذه الطائرة ليست هي التي ستنقذنا، كنا حينها أربعة أشخاص فقط على قيد الحياة، كنت أقول لهم إنه إذا أراد الله لنا أن نبقى على قيد الحياة، فسوف ينقذنا، لكنهم كانوا محبطين.

 

بعد بضع ساعات، حوالي أربع أو خمس ساعات، عادت مروحية لإنقاذنا بواسطة حبل، الناجي الرابع مات بالفعل كانت حالته سيئة جدا.

 

لقد أحضروني أولاً مع المرأة، أعطوني عصير الموز، لم أشعر بأي شيء، لم أفكر في أي شيء”.

 

بعد أربعة أيام، غادر موسى المستشفى، يتذكر حديثه مع الشرطة، لكنه يقول إنه لم ير طبيباً نفسياً بعد.

 

كان طلبه الملح بعد الإنقاذ، أن يتحدث مع أهله، ليخبرهم أنه على قيد الحياة، رغم أنهم يعرفون ذلك بالفعل، حيث انتشرت صور الناجين الثلاثة في المروحية بشكل واسع عبر شبكة الانترنت، في تلك الصور، يبدو موسى وكأنه شخص آخر، رجل أكبر في السن بكثير.  

نقلا عن صحيفة تقدمي