فرنسا لم تربح الحرب في المنطقة و لم تربح السلم : لم تربح الحرب لأنها لا تمتلك جيشها و لم تربح السلم لأنها لا تمتلك أخلاقه.
و لن تربح فرنسا الحرب لأنها تعودت أن تغتات على مآسي آخرين لم يعد من بينهم من يقبل استمرار هيمنتها بأي ثمن. و لن تربح السلم لأنها لم تتعود على الاستثمار في مناخه..
و تقيم فرنسا الدنيا اليوم و لا تقعدها ، مدعية أن مالي تسمح لقوات فاغنير التي تصفها بالعصابة ، بالتواجد على أراضيها ، متناسية أن الرازيا الفرنسية (الجيش الفرنسي)، أقدم تاريخ في الإرهاب و أبشع أساليب من كل عصابات الكون؛
فما هو الفرق بين قوات فاغنير و الرازيا الفرنسية و بلاك واتير و بقية مليشيات فرسان مالطه التي يكوِّن الغرب اليوم جيوشه على عقيدتها؟
و إذا كانت فرنسا اليوم ، تبكي "شهيدها" الثالث و الخمسين (53) في حرب تدخل عقدها الثاني ، لم تأسف فيها فرنسا على قتل تسعة عشر ماليا بالخطأ (بشهادة الأمم المتحدة)، في عملية واحدة يصعب إحصاء أخواتها ..
إذا كانت وزيرة جيوش فرنسا تكرر منذ الانقلاب الأخير في مالي أنهم "هنا "أيضا" لتأمين بلادهم من الإرهاب". و ترد على السؤال ؛ ماذا ستفعل إذا طلبت منها مالي سحب جنودها من أراضيها ، بأنها تنتظر القرار المشترك للدول الأوروبية المشكلة لقوة "تاكوبا" (بلجيكا، جمهورية التشيك، الدنمارك، إستونيا ، فرنسا ، ألمانيا، هولندا ، النرويج ، البرتغال ، السويد والمملكة المتحدة)، بما يعني بوضوح أنهم قد يفرضون بالقوة بقاءهم في البلد..! كيف ستبرر إيكواس موقفها المفضوح أمام احتقان شعوبها المتزايد ضد هذه الدولة المغتصبة، العائدة من نصف طريق فشلها العسكري و الدبلوماسي إلى منطق الهيمنة عن طريق الاحتلال المباشر؟
ثم كيف تفكر فرنسا في كسب حرب حققت القوات الروسية في عمليتها الأولى فيها أكثر من نتائج المعارك الفرنسية لأكثر من عقد من الزمن؟
إن رهان فرنسا على الطاعة الإفريقية العمياء المستمرة ، غير المعنية بغير المصالح الفرنسية، هو نقطة ضعفها اليوم الحقيقية : لم يعد في القارة الإفريقية من لا يتهكم على الغباء الفرنسي في اعتقادها أن ما زال في القارة من لا يعتبرها لعنة لا نجاة منها إلا بالخروج من فضائها المشؤوم..
إن تفكير فرنسا اليوم في احتلال مالي، الواضح من خلال قول وزيرة الرازيا الفرنسية، "نحن هنا أيضا للدفاع عن أمننا"، قد يدخل المنطقة حربا خطيرة، تستعد دول مثل روسيا و الصين لدخولها بدوافع أنبل (في الأخلاق الدبلوماسية) و تكلفة مادية أقل. هذا لمن لا يفهمون اليوم أن لمالي خيارات عدة أسوؤها الخيار الفرنسي..
ما لم تفهمه فرنسا ، هو أن تلويحها بالقوة في مالي ، لن يخيف الانقلابيين و لن يزيدهم إلا إصرار على تحديها حتى لو استعملوا كل ما يملكون من قوة لتركيعهم .
و تخطئ فرنسا أيضا و أيضا ، إذا كانت تعتقد أن من أخذوا الحكم في مالي لا يدركون أن فرنسا لا تستطيع دخول حرب طويلة المدى ؛ لا بقوتها العسكرية و لا بوفاق أجنحتها السياسية و لا بمواقفهم الأخلاقية المشهودة ، أمام عالم يعرفهم جدا، هم من صنعوا أمام أعينه إيدي آمين دادا و بوكاسا و ديبي و ولد عبد العزيز و بقية أكلة لحوم البشر..
ما زال حكام فرنسا في إفريقيا (رؤساء دول غرب إفريقيا) ، الذين وصلوا جميعا إلى الحكم إما بانقلابات عسكرية همجية، بمباركة فرنسية و إما بانتخابات مزورة (أسوأ من كل الانقلابات)، بمباركة أجندة لابول الغبية ، يعتقدون أن باستطاعتهم الحفاظ على كراسيم، عن طريق محاصرة أي تغيير جاد في المنطقة ، بثورة أو بانقلاب أو بالاثنين كما يحصل الآن بالضبط في مالي و بوركينا فاسو .
و ما تقوم به "إيكواس" الآن هو تطبيقا حرفيا لهذا الدور المشؤوم.
إن الرد القاتل اليوم، على استمرار احتلال فرنسا لدول المنطقة و التحكم في سيادية قرارات دمى أحكامها ، هو تطوع شباب كل دول المنطقة لحماية الشعبين المالي و البوركينابي من بطش و غطرسة الرازيا الفرنسية لطردها عسكريا و سياسيا و دبلوماسيا من كل مخابئها في المنطقة..
إن من ينتظر أي خير من الأحكام الإفريقية لغير صالح فرنسا واهم، لكن من يعتقد أن طرد فرنسا من ذاكرتنا الجريحة، يتطلب أكثر من وقفة إصرار ، أكثر وهما : على شباب المنطقة أن يتذكر أن فرنك (CFA)، وصمة عار على جبين الجميع و رضاء بعبودية مباشرة ، لا تغسل خجلها كل مياه البحر ..
و على الجميع أن يدرك أن سهولة الانتصار على فرنسا يعود إلى أن الحرب معها تدار من عواصم بلداننا :
- إلغاء عملة تحكمها في اقتصادات هذه البلدان ..
- إخراج جيوشها من المنطقة..
- إلغاء كل الاتفاقيات المجحفة معها..
- إنهاء هيمنة لغتها المتخلفة ..
- إفهامها أنها ليست أكثر من منافس لا يتمتع بأي امتياز أكثر من غيره ..
و على جمهورية مالي اليوم أن تذكر "إيكواس" بأنها جزء من المشكلة لا من الحل .. أنها ليست مجرد ناصح غير وفي بل خصم غير نزيه .. أنها لا يمكن أن تظل ذراع الهيمنة الفرنسية على المنطقة وشعوبها باسم ديمقراطية هم أكثر من يتبول عليها و أقل من يقبل بمنطقها..
لقد آن لهذه اللعبة الوقحة أن تنتهي: على فرنسا أن تعامل هذه الدول باحترام خارج كل مفاهيم الهيمنة و التبعية .. عليها أن تتجاوز التفكير في العيش على حساب المنطقة بنهب خيراتها و احتقار أهلها ..
و على الدمى الإفريقية المحنطة (الرؤساء) ، أن يختاروا بين مصالح شعوبهم و مصالح فرنسا و أن يفهموا أن طاعتها لم تعد حماية لكراسيهم المشؤومة ..
لا يمكن لفرنسا أن تظل تحرمنا بميكانيسمات لابول، من أي انتخابات نزيهة و شفافة و تظل في نفس الوقت تقطع الطريق أمام أي انقلاب قد يأتي بعسكري متنور لا يخرج من عباءتها..