إسطنبول – الأناضول: إذا كانت الصين قد فرضت نفسها كشريك رئيسي، وأحياناً أول، لمعظم الدول العربية في المشرق، إلا أنها ما زالت تخوض منافسة حادة مع دول الاتحاد الأوروبي في منطقة المغرب العربي.
فالاتحاد الأوروبي مجتمعاً ما زال يمثل الشريك الأول لدول المغرب العربي، إلا أن الصين تمثل شريكا تجاريا أول لكل من الجزائر وموريتانيا بالإضافة إلى ليبيا، لكنها تتخلف إلى المرتبة الثالثة في كل من المغرب وتونس.
وتستفيد دول المغرب العربي الخمس من مشاركتها في منتديين إقليميين مع الصين، الأول «منتدى التعاون الصيني العربي» الذي تأسس عام 2004، والثاني «منتدى التعاون الصيني الافريقي» الذي تأسس عام 2006، ما يتيح لها التواصل مع صناع القرار في ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وحسمت الصين معركتها التجارية في الجزائر منذ 2013، أمام كل من فرنسا والولايات المتحدة وإسبانيا وإيطاليا، بعدما وصلت المبادلات التجارية بينهــــما إلى نحو 8 مليـــارات دولار.
كما تعتبر الصين الشريك التجاري الأول لموريتانيا، وتستحوذ على قرابة نصف صادراتها، وخاصة الحديد الخام والأسماك اللذين يعتبران أهم صادرات البلاد. وفي ليبيا، ورغم أنها تشهد وضعا سياسياً وأمنياً مضطرباً، عادت الصين لتحتل المرتبة الأولى كشريك تجاري، سواء من حيث الواردات أو الصادرات، حسب ما نشره موقع «عين ليبيا» عن بيانات المصرف المركزي لعام 2019.
إلا أن المعركة التجارية في ليبيا ليست محسومة، والمنافسة على أشهدها مع عدة دول لها حضورها التجاري والسياسي القوي في البلاد على غرار إيطاليا وتركيا ومصر. وعلى عكس الجزائر وموريتانيا، وبدرجة أقل ليبيا، فإن الصين لم تتمكن بعد من تجاوز فرنسا وإسبانيا في تجارتها مع المغرب، أوفرنسا وإيطاليا بالنسبة لتونس، إلا أن نمو تجارتها مع البلدين في ازدياد. وتحاول الصين تثبيت تواجدها الاقتصادي والسياسي في المغرب العربي عبر «مبادرة الحزام والطريق»، وعن طريق الشراكة الإستراتيجية والشراكة الإستراتيجية الشاملة.
ووقعت الصين مع الجزائر اتفاقية «الشراكة الإستراتيجية الشاملة» في 2014، لتمثل قاعدة ارتكاز للصين لتوسيع تجارتها واستثماراتها في المنطقة المغاربية وحوض البحر المتوسط والساحل الافريقي، وأيضاً تعاونهما في المجالين العسكري والأمني. كما وقّع المغرب على «الشراكة الإستراتيجية» مع الصين في 2016، بينما ما زال الأمر مع كل من موريتانيا وتونس وليبيا مؤجلاً.
فموريتانيا، ورغم علاقاتها القوية مع الصين، لا تريد إغضاب الولايات المتحدة التي لها استثمارات في قطاع الغاز، وفرنسا التي تربطها بها شراكة أمنية وسياسية وتنموية في إطار مجموعة «الخمسة ساحل»، بينما الوضع المضطرب في ليبيا وغياب حكومة مستقرة لم يشجع الصين كثيرا للمضي في شراكة إستراتيجية مع طرابلس. أما في تونس، فما زالت بكين تراقب الوضع السياسي غير المستقر، رغم تضاعف تجارتها الخارجية معها خلال العشرين عــاماً الأخـــير.
فتجارتها مع مع الصين تتصاعد بسرعة. ففي 2004 لم تكن بكين من بين الشركاء التجاريين العشرة لها، إلا أنه خلال 18 عاماً الأخيرة تجاوزت عدة بلدان على غرار الجزائر وليبيا، وأصبحت تحتل المرتبة الثالثة خلف كل من فرنسا وإيطاليا. وتشترط الصين لتوقيع اتفاقية شراكة إستراتيجية شاملة مع أي دولة ثلاثة أمور»الثقة السياسية، والروابط الاقتصادية الكثيفة، والتبادلات الثقافية والعلاقات الحسنة في القطاعات الأخرى».
وبالنسبة لـ»مبادرة الحزام والطريق»، وقّع المغرب مع الصين مذكرة تفاهم بشأنها في 2017، وفي يناير/كانون الثاني 2022، جرى التوقيع على خطة التنفيذ المشترك للمبادرة. بينما انضمت الجزائر إلى المبادرة الصينية في 2018، وفي مارس/آذار 2022، أعلن البلدان التوصل إلى توافق حول «الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق»، والتي سيتم توقيعها بأقرب فرصة. كما انضمت تونس وليبيا إلى المبادرة، في حين أعلن الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز في 2017، أن بلاده «تدعم وتقف على أهبة الاستعداد للمشاركة في مبادرة الحزام والطريق»، لكن لم يتم بعد التوقيع على مذكرة التفاهم بشأنها. كذلك تواصل الصين توسيع نشاطاتها الإنشائية على سواحل المغرب العربي، بعدما شيدت «ميناء الصداقة» جنوب العاصمة الموريتانية نواكشوط، بكلفة نحو 300 مليون دولارعلى المحيط الأطلسي، وتستعد لتشييد ميناء الحمدانية في الجزائر المطل على البحر المتوسط، والذي يُتوقع أن يكون الأكبر افريقياً.
وفي المغرب تستعد الصين للاستثمار في المجمّع المينائي، وبناء مراكز لوجستية إقليمية. وهذا الانتشار الصيني عبر موانئ البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، يسمح لبكين بتأمين تجارتها الضخمة في مختلف بحار العالم. واستمرار وتيرة النمو التجاري والاستثمارات في البنية التحتية بالمنطقة المغاربية، من شأنه جعل الصين خلال الأعوام القليلة القادمة الشريك التجاري الأول لبلدان المنطقة بما فيــــهم المغرب وتونس.