.gif)
كان من ما برر به ولد عبد العزيز و أنصاره الذابّون عن حياضه انقلابهم الأرعن على ولد الشيخ عبد الله أنه احتوى رموز الفساد من أمثال بيجل و الشيخ العافية .. و هكذا ملأ ولد عبد العزيز الدنيا نُباحاً، و صدع بشعاره عن “الحرب على الفساد”، الذي تمخض جبله فولد سرب فئران.
منذ الانقلاب على سيدي ولد الشيخ عبد الله، الذي لا يمكن لمنصف وصفه البتة بالمفسد، أصمّ الجنرال الأرعن آذاننا، فسمعنا جعجعة حرب على الفساد من غير أن نرى طحنا.
قال لي مرة الخبير الاقتصادي البارز محمد السالك و لد هيين إن الأموال التي احرزتها موريتانيا خلال فترة حكم ولد عبد العزيز ربما تفوق حجم ما تم إحرازه منذ الاستقلال بجملته، فقد تحققت طفرة، حسب تعبيره.
و لكن أين هذه الأموال.؟ و فيمَ صُرفت.؟ و ماذا استفاد منها الشعب الموريتاني في رفاه حياته و رخاء عيشه.؟
المؤكد هو أن الحياة ازدادت في وجه المواطن الموريتاني عبوساً، و أنه لم يستفد من هذه “الطفرة الاقتصادية” التي دارت بها الأشياء صِدافاً غير أقارب ولد عبد العزيز و المقربين منه.
إذا تتبعنا سجل محاربة الفساد، سنرى عدم جديته من الوهلة الأولى، حيث تم تهميش محكمة الحسابات، رغم أنها هيئة دستورية، و رُفِض مشروع قانون لمحاربة الفساد تقدم به النائب يعقوب ولد امين، كان من ضمن مقترحاته إنشاء مجلس أعلى لمحاربة الفساد. و هو مقترح قارعه نواب الموالاة بضراوة، رغم وجاهته و نجاعته المتوقعة في استئصال شافة الفساد. و رغم شعار بطلهم الأسطوري في “حربه عليه”.
كل الذين سجنوا بتهم فساد في عهد محمد عليون كانت المآخذ عليهم سياسية أو شخصية.. و قائمة من نجوا من السجن لأنهم دفعوا جزءً مما اختلسوه تربو على خمسمائة شخص.
و الغريب أن منظمات الشفافية في تسيير الأموال العامة تصنّف موريتانيا الجنرال الأرعن في الفقرات القصية للفساد، و هكذا تعتبرها “الانتربول” و شرطة مكافحة المخدرات في جميع أنحاء العالم بؤرة لها، و معبراً رئيسياً لأوروبا، و رغم ذلك تكاد تخلو سجونها من سجناء فساد و من تجار مخدرات.
و لكن هذه الدولة التي تصنفها “مراسلون بلا حدود” في قائمة الدول العربية التي تمنح حريةَ تعبير، و ينفي رسميّوها و مثقفو بيظانها وجود عبودية فيها، تكاد معتقلاتها تغص بسجناء الرأي و النضال السلمي ضد العبودية.
ربما يكفي قدعاً لأنف محاربة ولد عبد العزيز للفساد وجود افيل ولد اللهاه (فلا ضرورة لتجاوزه إلى قائمة الأثرياء الجدد الذين ولدوا فجرَ انقلابه على المحترم سيدي ولد الشيخ عبد الله).. هذا الغبي الذي لم يكن يأكل غير لسانه أصبح يقامر على روليت بالمليارات من أقوات الشعب، و أصبح يملك مصرفا و يدير شركة للتأمينات و أخرى للمحروقات و ثالثة للأشغال العامة.. و قد استطاع في الأيام الماضية أن يحمي مطلوبا للشرطة الدولية من السجن في نواكشوط مقابل مائة مليون أوقية، كما انتقل أخوه الشاويش عبد الفتاح ولد اللهاه منذ أيام للسكن في قصر بتفرغ زينه.
هذا الجنرال الأرعن الذي يدّعي محاربة الفساد هو من هدّد بيجل ولد هميد بالسجن ما لم يسدد مبلغ 120 مليون أوقية اتهمه باختلاسها من “كنام”، و حين محضه الولاء أعادها إليه، و كأنها لم تعد مالاً عاماً، بعد مراجعة ولد هميد لمواقفه السياسية.
الآن، أصبح كلُ جيد أَصْوَرَ من التفاته شطر روصو، مرتقباً نتائج التحقيق في فضيحة سونمكس.. بعض المراقبين اعتبروها اختباراً لجدية ولد عبد العزيز في حربه على الفساد، لأن اثنين من ابناء عمومة الجنرال الأرعن يضلعان في الملف المثير للجدل.. غير أنني لست ممن استوقفته قشورها، و إن عجزت عن سبر أغوارها، بسبب افتقاري للمعلومات الكافية لتقديم تحليل موضوعي، يتخلص من سلطة الانبهار باللحظة.
ما أعرفه هو أن من يقود التفتيش هو أحمد السالك ولد ابياه، صديق كمال ولد محمدُّ الملاطف، و أحد كبار الواقعيين، و عباقرة الدوغمائية السياسية، الذين داروا في فلك النظام الإنقلابي و مخروا بسفينته عباب بحره المتلاطم الأمواج.. عبدُ مأمور، لا يعرف أن يهز رأسه عرضا في حضرة من يمكنه أن يهز إليه جذع النخلة فتساقط عليه رطباً.
و أعرف أنه تمت مباشرة مهمة التفتيش بأوامر من الوزير الأول يحي ولد حدمين، بعد إيعاز له بذلك من محمد عليون.. و أن ولد ابياه الذي كان قد تم إقصاءه منذ فترة عن البلاط من خلال إقصاء المرحوم أحمدُّ ولد عبد العزيز لسيده “كمال”، بعد وشاية من احميده ولد اباه، لم يصّدق أن يحالفه الحظ فيربط به ولد عبد العزيز، حتى خلال زيارته لانجمينا، اتصالا مباشرا ليزوّده بجديد التحقيقات .. و أعرف أن اسماء الضالعين في فضيحة سونمكس نمت لسمع ولد عبد العزيز قبل أي سمع آخر.. فلو كان في الأمر من بدايته من يحرج ولد عبد العزيز لطمره فوق شفاه ولد ابياه، كما طمر الرصاصة الصديقة فوق شفاه أخرى.
لماذا إذن أمر ولد عبد العزيز ابتداءً بتفتيش سونمكس و هو العارف الداري بمن تتعامل معه؟
و لماذا لم يوعز لولد ابياه بالتعتيم على نتائج تفتيشه، حين “فاحت ريحته”