أعيد اليوم نشر مقال كتبته سابقا عن كسوف شمس موريتانيا ورحيل ابنها البار وضابطها الباسل وقائدها الملهم المرحوم اعلي ولد محمد فال..
وهذا نص المقال:
سوار الذهب الموريتاني، أسد الصحراء، أب الديمقراطية : كلها تسميات لمسمى واحد، إنه الرئيس الفذ، والقائد الشجاع الملهم، والمثقف الموسوعي المرحوم اعلي ولد محمد فال الذي نتجرع اليوم مرارة ذكرى رحيله الرابعة
. يعد اعلي ولد محمد فال بحق أحد أبرز الشخصيات المؤثرة في التاريخ الموريتاني المعاصر، ومن أشهر الفاعلين العسكريين والسياسيين وحتى المدنيين فيه حيث شاءت له الأقدار أن يخدم وطنه من كل الزوايا، ويعمل في كل المواقع، ففي الحرب كان قائدا شرسا شجاعا لا يبارى في ساحات الوغى وعلى خطوط النار، فدحر الأعداء وحمى الحمى مسطرا دروسا ملحمية عظيمة كانت مصدر إلهام ومثار حماس ورافعة لمعنويات جيشنا الوطني خلال حرب الصحراء، ومنها نال لقبه الأول "أسد الصحراء".
وفي السلم، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها وتحقق الأمن الخارجي لموريتانيا، ساهم" اعلي" بجدارة في إرساء دعائم دولة قوية، هذه المرة من زاوية الأمن الداخلي الذي أمسك زمامه لـ20 سنة عمت فيها السكينة والطمأنينة وساد الأمن والأمان إلى درجة أن النظام الحاكم وقتها جعل من مكسبي الأمن والاستقرار شعارا لتلك المرحلة.
وبعد الهزات القوية والمحاولات الانقلابية العنيفة والمتكررة التي تعرض لها نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي احمد الطايع والتي كادت أن تفضي إلي انفلات قد لا تحمد عقباه، لبى "اعلي" من جديد نداء الوطن فأمسك بزمام الأمور في انقلاب أبيض لم تطلق فيه حتى مسيلة دموع ليفتح بذلك عهدا جديدا من المصارحة والمسامحة بين الموريتانيين انصهرت فيه كل القوي الوطنية في إجماع نادر نضجت على ناره الهادئة إصلاحات غير مسبوقة منها على سبيل المثال لا الحصر :زيادة الأجور، لأول وآخر مرة في تاريخ موريتانيا، بنسبة 100% ، ومراجعة العقود مع بعض الشركات الأجنبية، ووضع الأسس الصلبة لديمقراطية حقيقية بهرت العالم ونالت ثقة الشركاء فبادروا بإعفاء المديونية التي كانت أثقل إرث تركه النظام البائد، وواكبوا العملية الديمقراطية الرائدة.
لقد وفى الراحل المأسوف عليه اعلي ولد محمد فال بجميع تعهداته في فترة زمنية وجيزة أقل من الفترة التي رسمها لذلك، وسلم السلطة لرئيس مدني منتخب ليكون أول رئيس موريتاني يغادر القصر الرئاسي في مقدمة سيارته وإلى منزله، وليس في مؤخرة سيارة عسكرية إلي السجن، وثاني رئيس عربي يسلم السلطة طواعية بعد الرئيس السوداني سوار الذهب. ومن هنا نال لقبيْه الثاني والثالث: "سوار ذهب موريتانيا" و "أب الديمقراطية الموريتانية".
خرج ولد محمد فال إلي بيته بعد أن وضع قاطرة البلاد على سكة الديمقراطية، وتفرغ لحياته الخاصة. غير أن ظروف الانقلاب على الرئيس المنتخب سرعان ما أجبرته على التخندق من جديد في صف الوطن، فقاد معارضة شرسة للانقلاب وللنظام المنبثق عته ليخدم موريتانيا هذه المرة كزعيم معارض محبب إلى الشعب. وواصل في هذا المسار بصدق و تعفف إلي أن اختاره الله إلي جواره يوم الجمعة 05 مايو 2017 فبكته البلاد بكل ألوانها وأطيافها وجهاتها، فكما ظل رجل إجماع طيلة حياته كانت مراسيم توديعه والصلاة على جثمانه الطاهر وحضور مراسيم العزاء فيه هي الأخرى محل إجماع منقطع النظير، ليبقى خالد الذكر، حاضرا بين الموريتانيين في كل وقت بتضحياته وانجازاته وعطائه الذي سيتواصل إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولعل قضية فرض التناوب السلمي في الانتخابات الرئاسية الماضية من خلال مواد دستورية محصنة كان أبرز دليل على ذلك.. رحم الله الرئيس اعلي ولد محمد فال وتقبله بين الأنبياء والشهداء والصالحين، وحسن أولائك رفيقا.
ولا يواسينا، في هذه الذكرى المؤلمة مثل قول الشاعر:
قد ماتَ قومٌ وما ماتَتْ مكارٍمُهم
وعاشَ قومٌ وهُم في الناس أمواتُ
و قول الآخر:
إن قِيلَ ماتَ فلم يمُتْ منْ ذِكرُهُ
حيٌّ على مرِّ الأيّامٍ باقي
امربيه ولد الديد