بكين ـ د ب أ: يبدو أن قدرة الصين على الإطاحة بالولايات المتحدة عن قمة اقتصادات العالم في وقت قريب تراجعت بشكل ملحوظ مع تباطؤ الاقتصاد الصيني وتعثر جهود إنعاشه حتى الآن, وتشير المؤشرات إلى أن الصين لن تتمكن من جعل اقتصادها الأكبر على مستوى العالم بعد أن تراجعت الثقة فيه بدرجة كبيرة، بحسب تحليل نشرته أمس وكالة بلومبرغ للأنباء.
ووفقا لتحليل أعدته خدمة بلومبرغ إيكونوميكس للتحليلات الاقتصادية لن يتمكن إجمالي الناتج المحلي للصين من تجاوز إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة قبل منتصف الأربعينيات على أقرب تقدير، وإذا حدث ذلك سيكون التفوق بهامش محدود، قبل أن يتراجع الاقتصاد الصيني إلى المركز الثاني مجددا.
وتقول جاسمين ناج المتخصصة في اقتصادات قطاعات التكنولوجيا والخدمات المالية إنه قبل جائحة فيروس كورونا المستجد التي تفشت في الصين أواخر 2019 وأوئل 2020 كان المحللون يتوقعون وصول الاقتصاد الصيني إلى المركز الأول كأكبر اقتصاد في العالم أوائل العقد المقبل .
وفي تحليل بلومبرج إيكونوميكس الصادر أمس الثلاثاء قال المحللون «الصين تتحول إلى مسار أبطأ للنمو الاقتصادي بأسرع مما توقعنا … الازدهار الذي أعقب انحسار الجائحة فقد زخمه، وهو ما انعكس في التباطؤ الحاد للقطاع العقاري وتلاشي الثقة في قدرة حكومة الصين على إدارة الاقتصاد. وهناك احتمال في ترسيخ الثقة الضعيفة وهو ما سيؤدي إلى عرقلة دائمة لإمكانيات النمو».
ويتوقع المحللون الآن تراجع معدل نمو اقتصاد الصين وهو ثاني أكبر اقتصاد في العالم إلى 5,3 % بحلول 2030 ثم إلى حوالي 1% من إجمالي الناتج المحلي بحللول .2050 وكانت التوقعات السابقة تشير إلى نموه بمعدل 3ر4% بحلول 2030 و6,1 % بحلول .2050
وسجل اقتصاد الصين خلال العام الماضي نموا بمعدل 3% وهو أحد أقل معدلات النمو خلال عقود، بسبب تداعيات قيود كبح فيروس كورونا المستجد والأزمة العقارية. وعندما تم رفع قيود كورونا زادت الآمال في تعاف سريع للاقتصاد خلال العام الحالي. لكن التعافي سرعان ما فقد قوة دفعه مع تراجع الصادرات واشتداد حدة أزمة القطاع العقاري. وتراجع مؤشر مديري مشتريات القطاع الخاص في الصين خلال الشهر الماضي مع تراجع الإنفاق الاستهلاكي. في الوقت نفسه خفض المحللون الذين استطلعت بلومبرج رأيهم توقعاتهم لنمو الاقتصاد الصيني خلال العام المقبل إلى أقل من 5 %.
جاءت هذه التوقعات المعدلة في الوقت الذي يعيد فيه العالم النظر في كيفية التعامل مع الصين التي ربما تكون قد اقتربت من ذروة قوتها حتى لو لم تكن قد بدأت مسيرة التراجع.
في الوقت نفسه تبحث الولايات المتحدة عن دليل على المشكلات الهيكلية عميقة الجذور في الصين، ويبحثون عن الفرصة التي تعزز في النهاية قبضة الغرب في مواجهة منافس جيوسياسي ضعيف، في حين تفكر تلك الدول في التداعيات المتتالية لتباطؤ الاقتصاد. وبالفعل فإن تعثر الاقتصاد الصيني خلال العام الحالي بدأ يؤثر على أسواق الأسهم والسلع في العالم.
كما تواجه الصين حاليا تحديات أعمق وأطول مدى. فقد سجلت الصين في العام الماضي أول انخفاض في عدد سكانها منذ ستينيات القرن الماضي مما يثير المخاوف بشأن تراجع إنتاجية الاقتصاد الصيني.
وفي الوقت نفسه فإن حملات الملاحقة التي شنتها السلطات الصينية منذ 2020 ضد الكيانات الاقتصادية الخاصة العملاقة وبخاصة في مجال التكنولوجيا مثل مجموعة علي بابا جروب وتينسنت وبايدو أدت إلى تآكل ثقة المستثمرين في بيئة الأعمال الصينية. كما ساهم في تآكل الثقة تصاعد التوترات الجيوسياسية بين بكين وكل من الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى.
وأجرت غرفة التجارة الأمريكية مسحا شمل 183 شركة تعمل في هونج كونج التابعة سياسيا للصين، حيث قال 68% من هذه الشركات إنها تشعر بقلق متزايد بشأن استدامة أنشطتها في الجزيرة. علاوة على ذلك، أعاد الكثير من الشركات التفكير في استثماراتها الجديدة في هونج كونج، مع زيادة أعداد الشركات التي تقيم مقارها في سنغافورة لخدمة السوق الآسيوية بدلا من هونج كونج. كما ألغت الولايات المتحدة الوضع الخاص الذي كانت تتمتع به هونج كونج ويتيح لها معاملة تجارية متميزة.
ويتوقع محللو بلومبرج إيكونوميكس نمو الاقتصاد الأمريكي خلال العام الحالي بنسبة 7,1 % سنويا، في حين يتوقعون تراجعه تدريجيا ليسجل 5,1 % بحلول .2050
كل هذه الحقائق الاقتصادية تشير إلى نتيجة واحدة وهي أن الولايات المتحدة ستحتفظ بمكانتها على قمة الاقتصاد العالمي لسنوات عديدة مقبلة ولن تستطيع الصين أن تحل محلها.