كنت دائما كما ألفتك: المفجوع، الصبور، الحزين، الضاحك ضحكات لا تزنها الحياة، ولا يزهقها الضجر، ولا تذيبها كدمات الحياة. اخترت دائما أن تكون أبا مع وجود الأب، وأما بوجود الأم، فهذا خيارك، وكنت أهلا وسعة له. كانوا كلهم يحدقون حولك،، يحلمون ويطمحون بك، وأنت العفيف المرتقي في جفون الإباء، لا يخيفك الفقر ولا تسعى للغناء، تتربع على جمهورية العفاف، لا تهمك الحياة بأكثر ما تحسن فيها عليهم "بواو الجمع ". كان ضعفك قوة لهم وكان إباؤك حصنا لهم. كنت سكنا وحرما آمنا لهم، لا يغضبك إلا ما يغضبهم، ولا يرضيك إلا ما يرضيهم. لقد ودعوك وتركوك وناموا بعيدا، لكنهم مرتاحين لأنهم تركوك على العهد، فكل قوتك وصلفك وغطرستك يعرفون أنها أمام الضيم. إنهم يعرفون أيضا أن أمانتهم لن تضيع، وأنك لن تستكين
ولن يرتاح لك بال ولا يغمض لك جفن ما لم يبيتوا شبعى ضاحكين آمنين رغم خذلان الزمن الرديئ، فالظروف ليست ظروفك والزمن ليس زمنك، ولو كان لي من الأمر شيء لما تركت مثلك لأنياب الدهر. ومع ذلك فإني على يقين من أن في البلد من يفهمك ويقدر ذلك : زهاء عقود أربعة من العض بالنواجذ والأضراس على ظلم الأنظمة وتهميشها بسبب الدفاع عن المصالح العليا للوطن ونصرة المغلوب والمظلوم، يوم كان لا ينبري لها إلا قلة معك .فليهنئا في نومتهما، ولتعش هينئا حدبان على أمانتك، فلن يضيعك الله إذًا ضيعناك .
عليك بزادك: بطة شمّك، وقلمك الذي ترسم به مشي الأطفال، وتنحت به في صخور الفهم السقيم والقلوب المرضى، وتجلد به السلاطين والأفاكين، وتوغظ به الكسلى المرميين على قارعة طريق الحياة. ومن حسن حظنا أنك ما زلت معنا تعض في ضمائرنا لتستيقظ وفي هممنا لتنهض.. لا تبتئس .
الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار