مفارقات مضحكة : يقول مسعود و بيجل إنهما معارضان و تقول داعش إنها خلافة إسلامية و يقول ولد عبد العزيز إنه رئيس الفقراء و محارب الفساد..!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت معركة الحوار ، مواجهة صعبة و طويلة النفس استعمل فيها الجميع كل ما لديه من أوراق و استطاعت “المعارضة” بالفعل أن تحول فيها بيادق النظام إلى أضحوكة سخيفة لا يختلف فيها ولد حدمين و بنه ولد الشنوف و ولد عبد العزيز و زيدان و بقية فرقة التهريج.
انتصرت “المعارضة” انتصارا باهرا لا يختلف عليه اثنان ، رغم الخسائر الكبيرة في الأرواح (بيجل ، مسعود، ولد لفظل، ولد امين، ولد سييدي …) و الجرحى (تواصل، اتحاد قوى التقدم، عادل …) و قد بدأ الجرحى لله الحمد يتماثلون للشفاء بعد اعتماد الكي بدل المهدئات المغشوشة التي حاولنا بكل جهودنا منذ البداية أن نقنعهم بعدم جدوائتها، بلا جدوى.
كانت معركة صعبة ، خاضتها “المعارضة” بجناح مكسور و أسلحة غير متكافئة، و انتصرت فيها لأول مرة على “النظام” بصدق الإرادة و وضوح الرؤية وبأدلة لا تقبل التشكيك:
ـ تخبط النظام في الأخطاء حين فقد زمام المبادرة و أصبح يعتمد سياسة ردود الفعل المتشنجة.
ـ هزيمة مشروع استمرار ولد عبد العزيز في الحكم التي حاول التغطية عليها بالقفز على العلم و النشيد الوطني و سيعرف لاحقا إن شاء الله، أنهما سيكونان أكبر وبالا عليه من تغيير المواد المحصنة.
ـ تمزق المرتزقة (المسمات “موالات”) (تاءات “ما يخرص” في تيدنيت معالي الدكتور وزير الصناعت التقليديت) بسبب انعكاسات فشل مشروع ولد عبد العزيز على مصالحهم المبعثرة بفوضوية على قارعة طريق بقائه المستحيل، رغم أن بعضهم لن يقتنع تماما بذلك قبل أن تدركهم الموت على شقاء النفاق و عقوق الوطن.
ـ ما لم تلاحظه “المعارضة” (و أضعها دائما بين أظافر حتى يستعصي علي بيجل دخولها) هو أن العصابة اليوم، تقف على مفترق طرق بلا بوصلة و لا خطة عمل و لا خطة بديلة و بمشاريع متضاربة و حسابات (تصفية) و تصفية حسابات.
ـ لقد انتصرت “المعارضة” حين أصبح يقودها الجوع و أصبح من كانت الأحزاب تناديهم للمشاركة في التظاهر ضد “النظام” هم من يدعون الأحزاب للتظاهر ضده ؛ هذا الصدق في الانتماء هو من انتصر لأن الأكاذيب لا تنتصر أبدا..!
ـ انتصرت “المعارضة” حين أصبح كل مواطن في البلد يدرك يقينا أن عصابة ولد عبد العزيز مجموعة أشرار تنفذ أجندة شيطانية ، خربت البلد و هدرت خيراته و احتقرت أهله و حكمت فيهم أراذل الناس و أوباش قاع المجتمع الصدئ .
ـ و انتصرت “المعارضة” حين فهمت ـ في آخر لحظة ـ أن الناس لم تعد تقبل التلاعب بأصواتها و لا بأسمائها و أنهم سيذهبون إلى الحوار أفرادا لا أحزابا و كان من الواضح أيضا أنهم سيعودون منه حفاة كما ذهبوا إليه عراة.
كان لهذا الانتصار عبق الكرامة و طعم الحرية حتى لو كان ممزوجا بآلام الولادات الجديدة:
ـ اندحر العدو إلى ما وراء خط المأمورية الثالثة ، فكان تصفيقهم لإعلان ولد عبد العزيز بالتخلي عنها، عملا كاريكاتيريا بامتياز، يقول بوضوح شكرا على عودتك إلينا لأنك كنت ستمشي وحدك : لقد رأى من يتبع ولد عبد العزيز و من يرفضه، أن الشعب الموريتاني لم يعد يطيق حكم عصابة من النصابين ، تجاوزت الحدود في كل الاتجاهات الممنوعة. و فهم ولد عبد العزيز أنه لا يقود كتائب يوسف بن تاشفين و فهمت فيالق المتزلفين أن من يقودها لم يكن ابن تاشفين. و مع توازي الرعب عادت كل سفينهم إلى مراسيها.
لم تفهم “المعارضة” بعد أنها كسبت معركة كبيرة و صعبة و أن كان عليها أن لا تعطي العدو فرصة لإعادة ترميم صفوفه و التقاط أنفاسه : كان على المسيرة الشعبية الماضية أن تنام في القصر و لا لوم في عدم حدوث ذلك على أي جهة ؛ فتلك لحظة تصنع نفسها و ستصنعها بإذن الله لأن ولد عبد العزيز سيعيد الكرة حتما (و يكذب إذا قال إن لديه خيار غير البقاء في الحكم أو الحكم المؤبد) و الشعب الموريتاني لن يقبل أبدا أن يحكمه ولد عبد العزيز من جديد : لن يحكم موريتانيا بعد اليوم غير عقل متنور يصل الحكم عن طريق صناديق الاقتراع بنزاهة و شفافية و يتعهد بأن يعيد إلى الشعب الموريتاني كرامته المداسة و خيراته المنهوبة : إن قتل الفساد في موريتانيا أولوية الأولويات . لا يمكن أن تنهض هذه البلاد قبل استئصال الفساد المخيم في عقول كل أبنائها.
الأحزاب لا تصنع الثورات. الثورات يصنعها الشباب حين ينسد الأفق في كل الاتجاهات كما يحدث في موريتانيا اليوم. و تبقى مهمة الأحزاب هي أن تصنع مناخ الثورة المطلوبة و أن تتحكم في المسار في لحظة الانفلات.
صحيح أن الشعب الموريتاني لم يعرف قط دولة المواطن حتى يثور حين تتخلى عنه، لكن تجاوز الحدود من قبل العصابة الحاكمة الآن إلى هذا الحد، جعله يفهم ما لم يعشه.
”المعارضة” ليست جيش الرب و لا بوكو حرام و لا عصابة الاتحاد من أجل نهب الجمهورية المأجورة. و إذا كان عملها هو كشف أخطاء النظام و توعية المواطن بما يحدث في بلده، فلا شك أن ما عملته في موريتانيا في السنوات الأخيرة، عمل عبقري لا يطال؛ فاسأل أي موريتاني يمر جنبك لتفهم أن الرسالة وصلته و حاول أن تمتدح العصابة الحاكمة في وجهه لتفهم أنك وضعت نفسك في خطر..! ما تتطلبه المرحلة الآن هو العمل على تأطير و توجيه هذا الاستياء العام . و هنا يكون دور المعارضة حاسما في الحفاظ على أمن و استقرار البلد، لكي لا يتحول هذا الغضب الشعبي إلى انفلات أعمى يطيح بالعصابة في لحظة انزلاق إلى الهاوية. و علينا أن لا نخوض كثيرا في هذا الجانب : دعوهم يراهنون على أن جبننا سيظل يصدنا عن التفكير في تجاوز حدود ما يتمنون. كان ولد عبد العزيز يقول بتبجح، إنه لن يتكلم عن موضوع المأمورية الثالثة قبل 2019 ، فلماذا جاء مهرولا إلى قصر المؤتمرات ليعلنها بين تصفيق المتزلفين له؟ لقد أخبرته الأجهزة الأمنية (بلغة تحذيرية واضحة) عن عجزها عن مواجهة ما تراه يختمر في الشارع الموريتاني و أن الحل الوحيد لتفادي انفجار الوضع، هو أن يعلن للشعب الموريتاني عن رحيله. تلك هي كانت رسالة الأمن التي يحاولون تجميلها الآن بإيمان ولد عبد العزيز بالديمقراطية، و نكران تفكيره في البقاء و الإشادة بخطابه التاريخي الذي يصفه ولد محم خيره بغير المسبوق في تاريخ البلاد..! و يخطئ أكثر و أكثر من يعتقد أن ولد محم خيره يستطيع إلغاء مسيرة الرد على المعارضة، لكن يبدو أن ولد مكت و فريقه بدأ بالفعل يزيح عصابة سيدي باب ولد الحسن التي كانت تختزل العمل الأمني للدولة بأكملها في محاولات فاشلة لرشوة أفراد من الصف الثالث من مناضلي “إيرا”، لم تستطع أن تكتسب منهم غير “التراد” بعد ثلاث سنين من العمل الدؤوب كانت نتيجتها الباهرة إحراق المسكين و التخلي عن تأمينه. لقد كان إلغاء مسيرة الرد على المعارضة عملا أمنيا نوعيا بالفعل لأنها كانت ستحمل مفاجآت لا يمكن معالجة آثارها الجانبية، ليتم التعويض عنها (بنصيحة أمنية أيضا) بكارنفالات الداخل و إعلان زيارة تكانت التي سيتم حشد المتزلفين لها من نواذيبو إلى النعمة و من نواكشوط إلى ازويرات ليستقبلوا ولد عبد العزيز باسم سكان تكانت و يتحدثوا أمامه باسمهم و يستولوا (خلفه و من حوله) على مخصصات الزيارة باسمهم. لكنهم نسوا عن ماذا سيتكلم ولد عبد العزيز في زيارة تكانت : ـ هل سيتكلم عن الفقراء لسكان تكانت المحاصرين منذ اختطافه للبلد بين نسيان النظام و موجة جفاف مماثلة لحكمه أهلكت الزرع و الضرع ؟ ـ هل سيتكلم عن محاربة الفساد و يعطي سكان تكانت نموذجا حيا من خلال ما فعله “النظام” في ملف جريمة سونمكس الأبشع و الأغرب (حد النكتة) في تاريخ الفساد في البلد؟ ـ هل سيتكلم ولد عبد العزيز عن الصحة بعد ما حول المستشفيات إلى بؤر للعدوى و مأوى للقمامة و الحشرات؟ ـ هل سيتكلم عن التعليم بعدما باع المدارس و كلف وزارة كاملة بالقضاء على ما تبقى من التعليم العمومي و القى بالجامعة حيث ألقت رحلها أم قشعم، بلا مطعم و لا باصات؟ ـ هل سيتكلم عن الحالة المدنية التي أصبح دخلها أكبر من دخل “اسنيم” مع عجزها عن دفع رواتب عمالها؟ ـ يصنع ولد عبد العزيز لكل مرحلة حرجة كذبة كبيرة يلهي الناس فيها عن أكاذيبه السابقة و آخر كذباته هي استبدال مجلس الشيوخ بالمجالس البلدية (و الغريب هنا هو حديث المثقفين عن إيجابياتها و سلبياتها كأن ولد عبد العزيز ينظر إليها من غير زاوية الدعاية الكاذبة و كسب الوقت، تماما مثل رئيس الفقراء و المنقطة الحرة و دكاكين أمل و محاربة الفساد و غيرها من الشعارات المزيفة!؟) ـ هل سيتكلم عن المنطقة الحرة التي صرفت عليها الدولة عشرات المليارات لتقتل مدينة نواذيبو و تتحول إدارتها إلى جهاز لحماية النافذين من الضرائب ، ليس إلا؟ ماذا أنجزت منطقة نواذيبو الحرة غير قتل مدينة نواذيبو التي لم تتأثر قط بأزمات البلد الاقتصادية قبلها؟ ـ هل سيتكلم ولد عبد العزيز عن الأمن بعد ما حول نواكشوط إلى مدينة أشباح ، تصحو ساكنتها كل يوم على عشرات جرائم القتل و الاغتصاب و السطو المسلح ؟ سيتكلم ولد عبد العزيز لسكان تكانت و لبقية الولايات من خلالها عن مشروع المجالس البلدية الذي سيحول موريتانيا إلى كانتونات سويسرية جديدة، لكنه ينسى أن من يفهم سيضحك فقط و من لا يفهم لا يفهم..! لقد انتهى ولد عبد العزيز لكن المعركة لم تنته بعد . لقد دخلنا الآن في مرحلة الخطة “ب” من انقلاب العصابة بعد إفشال الخطة “أ” من خلال معركة الحوار. و لأن الخطة “ب” في كل الانقلابات تعتمد عملية خلط الأوراق و انتهاز ما سنح من الفرص و التلويح بالأرض المحروقة، ينبغي “للمعارضة” اليوم التفكير مليا في القبض على المسار و التحكم في توجيهه من خلال استثمار الاستياء العام بشكل ممنهج و عزل العصابة المختطفة للبلد و زبانيتها بطرق محكمة .
. و أول ما يجب عمله على “المعارضة” هو تسجيل و تحذير كل السائرين على طريق ولد محم و ولد أجاي و وزير العدل ولد داداه و الناطق الرسمي ولد الشيخ و الدودة الزائدة ولد الطيب، من عواقب دعواتهم المهددة لاستقرار البلد و تحميلهم بشكل رسمي ، مسؤولية ما يندفعون إليه من ترنح غير محسوب العواقب على حلبة التزلف و الارتزاق.
مهمة “المعارضة” اليوم باختصار، هي العمل خلال الأشهر القادمة على دحر العصابة إلى ما بعد خطوط الخطة “ج”. و الخطة “ج” في الانقلابات هي توريط العناصر البريئة في مواجهة عبثية للتغطية على هروب الرؤوس المجرمة و هذا ما يجب أيضا شرحه للمتورطين في معركة إخراج ولد عبد العزيز بدافع التزلف و الطمع.