نواكشوط – «القدس العربي»: يغادر رئيس الحكومة الإسبانية مصحوباً برئيسة المفوضية الأوروبية مطار نواكشوط في نهاية زيارة وصفت بـ”الهامدة جداً”، لينزل في نفس المطار، بشكل شبه متزامن، كل من وزير الشؤون الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، ورئيس مجلس النواب المغربي، رشيد الطالبي العالمي.
ولفت أنظار المراقبين ازدياد كبير في التنافس بين المغرب والجزائر، حيث جاءت زيارة رئيس مجلس النواب المغربي لنواكشوط تالية لزيارة رئيس البرلمان الموريتاني للجزائر قبل ذلك بأسبوع؛ وتم بشكل متقارب، تأسيس فريقين للصداقة أحدهما بين المغرب وموريتانيا، والثاني بين موريتانيا والجزائر.
إنه إقبال كبير على الشراكة مع موريتانيا هذا البلد الذي خدمه موقعه الجغرافي كجسر واصل بين شمال وغرب إفريقيا، البلد الذي لا يمكن للمغرب ولا الجزائر الوصول إلى غرب إفريقيا المرغوبة لديهما من أجل تأمين الحدود ومن أجل الوصول للأسواق والمناجم ومن أجل تصدير التأثير أيضاً، دون المرور بموريتانيا؛ بل والبلد الذي لا يمكن للأوروبيين أن يوقفوا تدفق المهاجرين إلى قارتهم دون الشراكة معه، ولا يمكنهم بدون الشراكة معه تحقيق برامج الهيدروجين الأخضر والوصول إلى صفر/ كربون.
خبراء موريتانيون استراتيجيون متخصصون في القضايا المغاربية والإفريقية قدموا لـ”القدس العربي”، رؤاهم إزاء هذا الإقبال محللين أسبابه ودوافعه ومآلاته، مع الإجابة على السؤال الأهم وهو: هل ستتمكن موريتانيا من إتقان إدارة هذا الإقبال بما يحفظ لها مصالحها وعلاقاتها وبخاصة علاقاتها مع المغرب والجزائر جارتيها المتصارعتيْن؟
يقول الإعلامي الموريتاني محمد الأمين خطاري المقيم في إسبانيا: “الحقيقة أن موريتانيا تحاول أن تنتهج سياسية فيها الكثير من الدقة والتوازن مع جارين كبيرين هما المغرب والجزائر. ولا شك أن المنحى الجزائري الأخير في البحث عن اتفاقية لمنفذ بحري على الأطلسي لا يمكن أن يفهم خارج كونه يقابل المبادرة الأطلسية التي أعلنت عنها المغرب في محاولة لاحتواء ما تبقى من دول الساحل الخمس بعد تفككها وإعلان المغرب عن المبادرة الأطلسية التي أعلن عنها العاهل المغربي وحظيت باهتمام من بعض الدول الخارجة من مجموعة دول الساحل الخمس”.
ويضيف الإعلامي ولد خطاري: “لا شك أيضاً أن الجزائر في إطار تطوير علاقاتها الخارجية والخروج من حالة “الاستاتيكة” التقليدية، تحاول أن تناور بطريقتها مع مختلف البلدان الإفريقية بما فيها موريتانيا الجار القريب، في محاولة لمجاراة الحركية المغربية أو في ردة فعل معاكسة. وفي هذا الإطار فالطريق البري الذي أعلن عنه من قبل سيكون بمثابة مقابل طريق الگرگارات من حيث إنه يوصل البضائع الجزائرية والمنتجات الجزائرية إلى موريتانيا ومنها إلى باقي الدول الإفريقية”.
وتوقف الإعلامي ولد خطاري أمام سياسة التوازن التي تنتهجها موريتانيا خلال الفترة الأخيرة لاحتواء تناقضات الجيران، فقال: “كان لهذه السياسة الدور الأكبر في عملية ما يسميه البعض السباق نحو نواكشوط، وبطبيعة الحال، تتنزل في هذا السياق الزيارة الأخيرة للأوروبيين، وإسبانيا على وجه التحديد معنية بشكل كبير بالتعاون مع موريتانيا لأن نظرتها لموريتانيا نظرة ذات بعد استراتيجي”.
وزاد: “أشير إلى أن الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة الإسبانية جاءت في إطار الأهداف الاستراتيجية لإسبانيا ولم تكن أهدافاً سياسية يمكن أن تنتهي بانتهاء الحكومة الاشتراكية الحالية أو بخروجها؛ ثمة فرق بين خيارات الدول عندما يكون الخيار استراتيجياً في التعاون أو خياراً سياسياً مؤقتاً”. وعما حققته موريتانيا في سياسة التوازن التي تنتهجها، أكد خطاري أنه “إذا كانت هناك نجاحات فهي تعود في الأساس إلى السياسة الأخيرة التي انتهجتها موريتانيا والتي أسس لها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وهي سياسة اليد الممدودة للجميع”، مضيفاً قوله: “أعتقد أن كل ما يحصل الآن من مركزة موريتانيا في إطار التعاون او العلاقات، سواء كان مع الجارين الكبيرين الجزائر والمغرب أو مع إسبانيا وأوروبا من خلال الزيارة الأخيرة لرئيسة المفوضية الأوروبية ورئيس حكومة إسبانيا، كل هذا يشكل ثمرات لخيارات اليد الممدودة التي جنبت موريتانيا صراعات كبيرة وتجاذبات بين جيران أقوياء في المنطقة.
وعن مدى قدرة موريتانيا على الحفاظ على هذه السياسة المتوازنة، أوضح محمد الأمين خطاري: “كنت قد شبهت سياسة موريتانيا بالسير على حبل سيرك، ففي أي لحظة يمكن لأي طرف أن يهز الحبل من الجانب الذي يليه، ليسقط عملية التوازن أو يؤثر عليها”.
وقال: “يبقى السؤال المطروح هو أن يمكن لموريتانيا أن تواصل عملية السير على هذا الحبل في علاقات مع الجميع؟ أم إن هز الحبل من هنا وهنا قد يؤثر على سياسة التوازن الموريتانية التي تؤتي أكلها لحد الساعة”.
ويرى الخبير الاستراتيجي أحمد سالم سيدي عبد الله “أن موريتانيا ظلت على الدوام مركزاً مهماً بالنسبة للشركاء الأوروبيين وحتى للجزائر والمغرب، لكن مدى الاهتمام الأخير بها يعد مختلفاً في نوعه وشكله، كما أنه يعتبر سابقة نتيجة لطبيعة الدعم وحجم الاهتمام”.
وقال: “أعتقد أن تزايد الاهتمام بها عائد بالدرجة الأولى إلى الوضع في منطقة الساحل والصحراء بصفة عامة، وطبيعة اختيار موريتانيا الانحياز للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية على حساب روسيا اللاعب الأبرز الآن في منطقة الساحل، خاصة بعد سيطرة الأنظمة العسكرية على الوضع في أربع دول من دول الساحل الخمس، وإن اختلفت تشاد عن نظيراتها إلا أنها في نفس الوقت فتحت علاقات على أعلى مستوى مع روسيا، بينما ظلت موريتانيا متمسكة بالعلاقة مع الغرب، وهي التي تمتاز بمستوى من الاستقرار المؤسسي، يعد مقبولاً بالنسبة للمنظومة الغربية، إضافة إلى نجاحها في التصدي للجماعات المسلحة وتأمين حدودها، كلها عوامل ساهمت في تقديمها كحليف موثوق، لتبني معه علاقة استراتيجية”.
وأضاف سيدي عبد الله: “طبيعة الملفات التي بحثها الوزير الأول الإسباني، ورئيسة المفوضية الأوروبية تؤكد أن موريتانيا باتت في نظر الأوروبيين شريكاً استراتيجياً، لكن التخوف بالنسبة لي يكمن في مدى استعداد النظام الحاكم في موريتانيا لاغتنام هذه الفرصة، وتوظيفها كشريك وليس كمجرد تابع، وذلك لن نستطيع الوقوف على حقيقته قبل مارس القادم عندما يتم التوقيع على الاتفاقيات المتعلقة بالهجرة غير النظامية، واللاجئين، والهجرة النظامية بالنسبة للموريتانيين إلى أوروبا، وإسبانيا، حينها فقط يمكننا أن نستوعب هل كان النظام على قدر التحدي أم لا”.
وعن ازدياد التنافس الجزائري المغربي على موريتانيا، أكد الخبير “أنه عائد هو الآخر إلى بحث الدولتين عن مصالحهما في الدرجة الأولى خاصة أن موريتانيا تعد بوابة الدولتين على إفريقيا، وأعتقد أن النظام نجح إلى حد ما في توظيف علاقاته مع البلدين بشكل جيد، وإن شكل تقاعسه الزائد عما يحدث على حدوده الشمالية خيبة بالنسبة للكثير من المواطنين إلا أنه نجح حتى الآن في التمسك بموقف الحياد، وإن كنت أعتقد أنه اختار الحياد السلبي، لكن ذلك لا يعني للجزائر والمغرب الكثير ما دام النظام يحافظ لهما على موطئ قدم في موريتانيا”.