بلدنا منكوب بالكثير من الأزمات البنيوية زيادة على ذلك، يواجه ثلاثة تحديات : تحدي الهجرة :هذا التحدي أصبح أكثر عمقا بالنسبة لنا بوصفنا ممر عبور ل 80%من المهاجرين نحو إسبانيا عبر " جزر الكاناري "، لكننا قد نتحول إلى جهة استيطان لمجموعات مجهولة الهوية في حالة فشل وصولها لنقطة الهجرة ، وأخذت قرار اللاعودة لوطنها من الدقيقة التي ركبت فيها قارب الهجرة ومزقت أوراقها لكي تخلق مشكلة أكبر في تمييز جنسيتها وإرجاعها لبلدها.
هذه المجموعة تضاعفت في اتجاه إلى أوروبا لتصل 380ألف مهاجر سنويا. كم يمر منها عبر موريتانيا ؟
إنها في الغالب تختلف عنا في كل شيء. إن وجودها سيغير جميع التوازنات ويدعم الاختلالات الاجتماعية والسياسية والأمنية لأي بلد صار وجهة لها، وخاصة بلدنا .
كل البلدان المحاذية للمتوسط رفضت فكرة استقبالهم مع تدفقات مالية كبيرة، حتى الدول التي تواجه مصاعب مالية مثل تونس ومصر رفضت فكرة مراكز الإيواء ،كما رفضت ليبيا والمغرب والجزائر راديكاليا نقاش الفكرة ،وحدها تركيا قبلت إيواء اللاجئين مقابل 6 مليار أورو .وكان القذافي قد طلب20مليار يورو لاستثمارها في إفريقيا لأجل المشاركة في حل المشكل،لكن أوروبا التي تتحمل وحدها أسباب الهجرة نحوها تريد أن تنزع ربقة المأزق من رقبتها وتضعها في رقبة غيرها !
التحدي الثاني: تحدي المال ، فخلال 2029 ستكون جميع مشاريع الطاقة وظيفية أو قيد التنفيذ حيث ستجعل من البلد واحة لصناعة الطاقة الأوروبية ومصدرا ثالثا للغاز في إفريقيا ،أي سيتحول إلى بلد يحوي الكثير من الازدهار "المالي"والمصالح الأجنبية، وبالتالي لا يملك حرية خياراته لوحده، فقد زرعت فيه مصالح استراتيجية لدول كبيرة واستثمارات بمليارات الأورو. وكل العالم يعرف لعنة الطاقة التي "تسير عالميا "إنها ستُخضع سياسات البلد لشراكة عميقة مع أصحاب المصالح وتدمجه في الرهانات الدولية الكبرى التي تفوقه .هل تم التفكير بذلك بعمق ؟هذا الأمر ذو انعكاسين :انعكاس على السيادة والأولويات والخصوصيات وانعكاس على الظروف بسبب الوفرة خاصة أن القطاعات الجوهرية في البلد والعقليات ليست جاهزة ولا متناغمة مع الانفجار المالي والتحول الاستراتيجي للبلد (البنية الاقتصادية والإدارية والعقلية، والوضعية الاجتماعية المتأججة، وسير المؤسسات، ونوعية الاصلاحات وغيرها) ..وهذا يفتح التفكير الجدي نحو خصائص ومميزات من سيضع التصور للمستقبل ويخلق الإرادة السياسية المناسبة ويضع المشروع الوطني !
التحدي الثالث: التحدي الأمني، فالبلد يقع في منطقة تشهد تقلبات وتشنجات وتوترات اجتماعية واسعة وخطيرة ومتلاحقة في غياب رؤية عميقة لحل جذور الأزمة مع وجود شريك بخيل وتطغى عليه الروح الامبريالية ولم يتحل بروح ومفاهيم العصر (الشراكة والتنمية المستدامة وتمكين الشعوب من خدمة أهدافها الوطنية ). إنها فرنسا غير الجاهزة لرفع اليد عن المنطقة مع وجود لاعبين كبار جدد وطموحين .هذا الوضع يحمل لموريتانيا سواقٍ كثيرة للتحديات الأمنية وانعدم الاستقرار وزيادة الاختلالات الديموغرافية، وبالتالي ستظل مشدود بهذه الوضعية إلى الخلف بدرجة ستؤثر على جميع سياساتها وتصوراتها وعلاقاتها بالجيران ،ويجعلها دائما أمام وضعيات استثنائية مثل تدفق اللاجئين ومثل تطور الخطر الأمنى للتنظيمات المسلحة والمهربين، والأسوأ من ذلك أن الوضع الداخلي يؤهلها لأن يصبح هذا التحدي أعمق بكثير بالنسبة لها .
فهل موريتانيا في وضعيتها الحالية قادرة على التعايش مع هذه الأخطار؟ وهل لا تلزمها مراجعات كبرى أهمها تنظيم النخبة لنفسها ؟
من صفحة الاعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار