شارفت الحملة الانتخابية الرئاسية في بلادنا على نهايتها؛ وهي الانتخابات التي يتنافس فيها على كرسي الرئاسة سبعة من أبناء هذا الوطن، يحدوهم الأمل في الفوز، كل على حدة؛ وإن تباينت حظوظهم التنافسية وحظوتهم الشخصية؛
لقد شكلت مضامين الخطابات السياسية خلال الحملة الرئاسية؛فسيفساء وطنية حاول أصحابها تقديم أحسن ما عندهم نظريا،وكان الجو العام مقبولا جدا مع بعض الاستثناءات أخيرا، حيث طبعت أجواء الحملة بصبغة الاحترام المتبادل ونضج الخطاب السياسي، طبعا لا يعني ذلك عدم تسجيل بعض الملاحظات السلبية هنا وهناك، لكن عموما كانت الإيجابيات أكثر، لم يأت ذلك اعتباطا وإنما هو وليد تراكمات منبثقة عن جو التهدئة السياسية الذي ساد البلاد في السنوات الخمس الماضية.
لقد شكلت التهدئة السياسية التي تدثرت بها البلاد منذ وصول الرئيس الحالي للحكم أرضية صلبة ونواة فعالة، عززت دعائم الأمن المغلف بعافية التعايش السلمي بين مختلف مكونات هذا المجتمع؛ وهي محمدة نعيشها بفضل الله يحسدنا عليها الجيران؛حسد غبطة وتمني نوال، إذ أغلب دول جيراننا تعيش انفلاتا أمنيا وانقساما داخليا يكابدون من أجل تجاوزه، وإعادة بلدانهم إلى نقطة الأمن والسكينة، وهذا الذي ينبغي أن نتنبه له نحن؛ إذ الآخرون لا ينشدون الآن تنمية ولا ازدهارا بقدر ما ينشدون عودة الأمن عندهم إلى سابق عهده، ويجتمعون على بساط العافية، ومن المهم جدا أن ندرك جميعا أن التنمية والازدهار والرقي لا يمكن تخيل أبسط مستوياتها إلا على دعائم أمن صلبة، ونسيمعافية يتمدد على الجميع,
ومن المهم جدا أن نستحضر أن أهم طلبات الشعوب عبر الحقب تتجلى في الخبز والسلام؛ فالخبز طبعا تعبيرا عن العيش الكريم، والسلام هو روح الأمن والأمان، بعد ذلك يمكن التفكير في رفع سقف الطلبات عند البعض إلى إشباع الحاجات الأخرى.
إنما ما تنعم به بلادنا من أمن وعافية يوجب علينا جميعا كل من موقعه أن نصونه ونشد على كل يد تصونه، ونضرب بيد الاتحاد على كل من يعمل عكس ذلك، فنعمة العافية لا يعدلها شيء، والنوم الهنيء بات مطلبا صعبا لكثير من الشعوب خاصة في إقليمنا المضطرب.
ولقد حثنا الرسول الأكرم -صلوات الله وسلامه عليه- على سؤال العافية والتماسها؛ حيث قال في الصحيحين: (لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية) وفي رواية أخرى ( سلوا الله العافية فإنه لم يعط عبد شيئا أفضل من العافية). رواه الإمام أحمد
وإذا كانت العافية كما يقولون نعمة منسية لا تعرف إلا عندما تفقد، وإذا توفرت غفل عنها كثيرون؛ فإن هناك حرمة كثيرا ما تستباح في المواسم السياسية وعند الخصومات الفردية؛ ألا وهي حرمة الأعراض، وهي حرمة محرمة بنص الكتاب والسنة، ومتوعد مستبيحها بالخيبات والخسران، ومن المؤسف جدا أن الحملات الانتخابية غالبا ما يبلغ فيها النيل من الإعراض والإكثار من الشتيمة، والسب والقذف، والقدح والتجريح أعلى مدى، ولقد حذرنا الرسول الأكرم - صلى الله عليه وسلم- في خطبة حجة الوداع التي لم يلبث بعدها قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى سوى بضعة شهور، فلقد حذر فيها من الأعراض قائلا عليه الصلاة والسلام: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللهم فاشهد) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: (أن أربى الربا شتم الأعراض)، وحذر من تتبع عورات المسلمين وبين أن متتبعها يتتبع الله عورته ويفضحه ولو في جوف بيته والعياذ بالله، كل هذا يحمل من الوعيد والتحذير ما يجعل التريث والابتعاد عن استسهال قذف المسلم لأخيه المسلم أو القول فيه بغير وجه حق؛ وذاك الذي قال عنه المعصوم صلى الله عليه وسلم: (من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال) وردغة الخبال والعياذ بالله هي عصارة أهل النار.
فعلينا معاشر المسلمين أن لا نجعل من الممارسة السياسية مفسدة تعود علينا بالنقمة والخسران؛ وأن نتجنب الولوغ في أعراض المسلمين؛ فالاستثناءات بخصوص ذلك معدودة، ومقيدة،ومضبوطة بضوابط منها المجاهرة بالفجور؛ والتأكد من ذلك، لا افتراء، ولا ادعاء، ولا تخمينا، ولا تبعا لردة فعل مؤداها خلاف سياسي عابر، وعلينا أن نستحضر أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، فالجوامع كثيرة ومفاتيح التلاقي عديدة، وأسباب الفرقة والخلاف ضئيلة، منتنة، بغيضة، كثيرا ما تموت بالتجاهل؛ والحمد لله رب العالمين وأزكى الصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.