هناك محاولات جدية من طرف نخبة من الإعلاميين القائمين على الروابط الصحفية، منذ إنشاء صندوق دعم الصحافة في العام 2010، للاستحواذ على مخصصات الصحافة وتهميش العاملين في هذا الحقل أو الساعين إلى مهنة المتاعب أو مهنة من لا مهنة له، كما يراد لها أن تكون.
فقد سعت هذه الروابط، خلال السنوات الماضية، إلى إلغاء معايير الاستفادة من صندوق دعم الصحافة، المتمثلة في مجموعة من شروط تفضيلية وملف متكامل، يفرض شروط نظام المؤسسة على الراغبين في الولوج إلى دعم الصندوق، نظام يشترط أمورا كثيرة من بينها الحصول على مقر وعمال مسجلين لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ورقم ضريبي المالي(NIF).
ولما استجابت أغلب المؤسسات لهذه الشروط ثارت ثائرة المحتكرين لمهنة الصحافة واصفين الملفات المقدمة بأنها مجرد أوراق لا وزن لها في مجال الحصول على دعم الصحافة، مطالبين بعدم اعتمادها، دون أن يدركوا أن هذه الملفات المقدمة هي نفسها المطلوبة إداريا من المؤسسات الصغيرة لتنفيذ طلبات شراء معدات أو تنفيذ أشغال لصالح الدولة.
ومع الإعلان عن سنة بيضاء، توقفت فيها مليارات كانت مخصصة للدعاية والهبات، أصيب هؤلاء بضراء، فسعوا إلى تنظيم أيام تفكيرية حول إصلاح الصحافة، ظنا منهم أن نتائج تلك الأيام ستكون كفيلة بفتح حنفية الدعم الرسمي للإعلام الحر، الذي سالت منها،زمنا طويلا ، مجاري وديان مؤسساتهم، لكن ذلك الحلم اصطدم بإرادة رسمية مانعة له، فوضعت ذلك الملف في سراديب النسيان.
لكن هذه المجموعة ساومت هذه المرة بنتائج الأيام التفكيرية، من خلال المطالبة بتنفيذ توصياتها قبل تشكيل لجنة توزيع صندوق دعم الصحافة سنة 2016، التي عارضها الكثير من العاملين في حقل الإعلام الحر، ففاجأتهم بالتخلي عن مطلبها، لكنها نجحت في تحقيق مطلبها التاريخي في عدم الأخذ بعين الاعتبار للملفات المقدمة وإلغاء الشرط التفضيلية، من مهنية وأسبقية وكثرة تصفح....
وفعلا، لقد تم تمييع تقديم الملفات المطلوبة، فلم تعد ذات أهمية، كما أعلن عن ذلك خلال الأيام الأولى للإعلان عن تديمها، فقد حلت معايير الإقصاء والتهميش من طرف الكبار الممثلين في اللجنة، وكما عبرته عنه الصراعات القاسية، التي دارت رحاها بين أعضاء اللجنة، في زاوية من زوايا السلطة العليا للصحافة، لا من أجل إنصاف مؤسسات الصحافة الحرة، وتوفير الدعم لها لتنمو وتستقل وتحظى بمقرات حقيقية وعمال مكتتبين ومحفوظة حقوقهم، ، لكن من أجل فرض مزيد من الظلم والتهميش والإقصاء الممنهج.
لقد غابت عن إعلان اللجنة المعايير التفضيلية، وحلت محلها معايير غير معلنة هي الزبونية واللامهنية، فتشكلت النتائج وفق رغبات ممثلي الروابط الصحفية وتمشيا مع مصالح رئيسها ابراهيم ولد بكار الرائد السابق في الجيش، المتهم سابقا بالضلوع في انقلاب 2003، وهو اليوم متهم باحتقار الصحافة وسوء توزيع صندوق دعم مؤسساتهم.
فقد تردت، خلال سنواته الاثنتين العجاف، أعمال لجنة صندوق دعم الصحافة، فلم يقم ذلك الرائد السابق وزنا لأعمال لجنة صندوق الصحافة، خلال السنة الماضية 2015، فلم يمنح المبالغ حسب الدرجات المتحصل عليها من طرف المؤسسات الإعلامية وإنما اختار أن يوزع المبالغ المالية توزيعا جزافيا، حسب مصالحه ورغباته.
ولاستكمل مسار الظلم والاستعلاء، قرر هذه السنة محاباة القائمين على الروابط الصحفية من خلال الالتفاف على تنقيط الملفات والشروط التفضيلية و إتباع نهج انتقائي ومصلحي، فلم تنشر النتائج نهائيا ولم تمنح المؤسسات فترة للطعن في النتائج، كما دأبت على ذلك اللجان السابقة، خلال سنواتهم الماضية.
وجاءت التحويلات جزافية على غير المتوقع، فبينما زاد المبلغ المرصود، هذا العام، للمؤسسات الإعلامية، تناقصت المبالغ المحولة لنسبة كبيرة منها، نتيجة التلاعب الواضح لصالح بعض النافذين في اللجنة أوالمشمولين بعطف رئيسها ومصالحه، حيث تلقت مؤسسات تحويلين ماليين، في حين لم تقدم إلا ملفا واحدا، وألقي بالغالبية منها في سلة مهملات الدعم، من خلال منحها مبالغ زهيدة، لا تسمن ولا تغني من جوع أو كما يقولون "صامَ سنة وفطر على بصلة".
إن مثالية المؤسسة الإعلامية، هي مسألة تعشش في أذهان بعض القائمين على المؤسسات الإعلامية الحرة، وهي فكرة قائمة على الإقصاء والتهميش وليست قائمة على واقع مهنة تحتضر، منذ سنوات وقد بلغ ترديها سن الرشد مع حرمانها، بداية سنة 2016، من الولوج لميزانية الدعاية والترويج للمؤسسات العمومية للدولة والتهديد بتحويل ميزانية الدعاية والهبات لإقامة مشاريع مدرة للربح لصالح مؤسسة الدمج والتشغيل .
ولم يعد أمام الصحافة في موريتانيا إلا إصلاح مهنتهم وفرض احترام مالهم وما عليهم، مخافة تحولهم جميعا إلى مجموعة من المرتزقة والنفعيين، تعيش على هامش المجتمع، تنتفع مما لا حاجة للناس به أو تمارس أسلوب القرصنة والابتزاز، الذي يتنافى مع أخلاقيات المهنة الصحفية.
إدارة موقع الديار