الخرطوم / محمد الخاتم / الأناضول
بعدما صادق البرلمان السوداني رسميا، بالأمس، على استحداث منصب رئيس وزراء للمرة الأولى منذ وصول الرئيس عمر البشير السلطة في 1989، فإن ما يشغل الساحة السياسية، هوية من سيتقلد المنصب وإن كان قادرا على تغيير موازين القوى.
وجاء استحداث المنصب إنفاذا لتوصيات الحوار الوطني التي اُعتمدت في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وسط مقاطعة من فصائل المعارضة الرئيسية.
وتم اقتراح المنصب بالأساس خلال مداولات الحوار لتحجيم الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها البشير الذي تعود إليه مبادرة الحوار كجزء من خطة إصلاحية شاملة طرحها مطلع 2014.
ويُعتقد على نطاق واسع أن دوافع البشير إلى الخطة الإصلاحية هو الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها البلاد في سبتمبر/ أيلول 2013، رداً على خطة تقشف وكانت الأقوى على مدار حكمه.
وكان الداعم الرئيس لاستحداث المنصب هو حزب "المؤتمر الشعبي" الذي تصالح مع النظام وقَبِل دعوة الحوار بعد معارضة شرسة.
ويعود تأسيس "المؤتمر الشعبي" إلى الزعيم الإسلامي الراحل حسن الترابي الذي أطاحه البشير من السلطة في 1999 بعد حلف استمر 10 سنوات.
الترابي الذي يعتبر المهندس الفعلي للانقلاب الذي أوصل البشير إلى الحكم، كان من أكثر المتحمسين للحوار، لكن وفاته في مارس/ آذار الماضي أفقدت العملية زخمها.
وكانت عملية الحوار قد تعرضت لانتكاسة أيضا، عندما انسحب منها زعيم حزب "الأمة القومي" الصادق المهدي في مايو/ أيار 2014 احتجاجا على اعتقاله لنحو شهر بسبب اتهامه لقوات تتبع جهاز المخابرات وتساند الجيش في مناطق العمليات بارتكاب تجاوزات ضد مدنيين.
والمهدي قبل انسحابه كان من أبرز المرشحين لتولي منصب رئيس الوزراء بوصفه آخر من تقلده عبر انتخابات 1986.
وبمجئ البشير إلى السلطة، حوّل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي ملغيا منصب رئيس الوزراء.
ويرى أغلب المعلقين أن وفاة الترابي وانسحاب المهدي جعلا موازين القوى تميل إلى حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم الذي ضغط على نظرائه في مائدة الحوار وحال دون تحجيم صلاحيات الرئيس لصالح المنصب الجديد.
ووفقا للتعديل الدستوري، الذي جرى أمس الأربعاء، فإن رئيس الجمهورية هو من يعين ويقيل رئيس الوزراء، على أن يكون مساءلا أمامه بجانب البرلمان.
وقال "كمال عمر" الأمين السياسي لـ"المؤتمر الشعبي" للأناضول إن "مسألة صلاحيات رئيس الوزراء يمكن معالجتها من خلال برنامج حكومته وذلك بحماية الحريات العامة وتحسين الوضع الاقتصادي".
لكن القضية الملحة الآن هي هوية من سيشغل المنصب، حيث درج مسؤولون في الحزب الحاكم على تأكيد أنه سيكون من بين صفوفهم خلافا لما تطالب به بقية القوى المشاركة في الحوار ومن بينها الشعبي.
ويجادل قادة الحزب الحاكم بأنهم يملكون ثلاثة أرباع المقاعد البرلمانية ما يجعل المنصب تلقائيا من نصيبهم وفقا للتقاليد المعمول بها في كل الأنظمة.
وبالنسبة إلى "كمال عمر" فإن المؤتمر الشعبي يطالب بأن يكون رئيس الوزراء الجديد "شخصية مستقلة تحظى بثقة جميع الأطراف السياسية وقادر على بناء الوفاق الوطني".
ولم تحسم حتى الآن بشكل قاطع قضية من سيشغل المقعد، لكن من الناحية النظرية يُفترض أن تحسم قبل العاشر من الشهر المقبل، وهو الموعد المنصوص عليه في توصيات الحوار لتشكيل حكومة "وفاق وطني".
وتكتسب الحكومة المرتقبة أهميتها من كونها ستعمل على صياغة دستور دائم وفقا لتوصيات الحوار، فضلاً عن تحسين الوضع الاقتصادي المتردي منذ انفصال جنوب السودان مستحوذا على 75% من حقول النفط كانت تدر نصف الإيرادات العامة.
ويحكم السودان منذ 2005 بموجب دستور انتقالي أقرته اتفاقية سلام أنهت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب ومهدت لانفصالهما بموجب استفتاء شعبي في 2011.
ويعتقد "الطيب زين العابدين" أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم أن "صلاحية رئيس الوزراء جاءت منقوصة وتعيينه يتوقف على الرئيس البشير الذي سيختار بالطبع شخصا متعاونا ومحل ثقة".
ويرهن "زين العابدين" في حديثه للأناضول نجاح رئيس الوزراء الجديد بـ"قدرته على بناء وفاق وطني حقيقي لأنه المخرج لحل أزمات البلاد الاقتصادية والأمنية".
وتعارض أحزاب المعارضة الرئيسية والحركات المسلحة التي تحارب الحكومة في ثلاث جبهات مخرجات الحوار ولا ترى حلا لأزمات للبلاد خلاف "إسقاط النظام".
وقاطعت المعارضة مبادرة البشير للحوار بعد رفضه شروطها وعلى رأسها الإفراج عن المعتقلين والمحكومين السياسيين، وإلغاء القوانيين المقيدة للحريات، وآلية مستقلة لإدارة الحوار الذي انعقدت جلساته برئاسة البشير.
ولم تفلح جهود متصلة لأكثر من عامين قادها رئيس جنوب إفريقيا السابق ثابو أمبيكي بتفويض من الاتحاد الإفريقي في إلحاق المعارضة بالحوار.
وكانت آخر هذه الجهود حمل الطرفين على توقيع خارطة طريق عقدت بناء عليها في أغسطس/ آب الماضي مفاوضات بين الحكومة والحركات المسلحة قبل أن تعلق لأجل غير مسمى.
وهدفت المباحثات لوقف العدائيات، ومن ثم الاتفاق على أجندة لحوار أشمل يضم أحزاب المعارضة لمناقشة القضايا القومية وعلى رأسها أزمة الحكم وإصلاح الاقتصاد.
وفيما لم تحدد الوساطة موعدا جديدا لاستئناف المباحثات، درج مسؤولون حكوميون على التأكيد بأنه لن يجرى حوار جديد وأن المتاح فقط لفصائل المعارضة التوقيع على التوصيات لتكون جزء من تنفيذها.