تونس – الأناضول: مطلع عام 2025 تدخلت الجزائر لحل أزمة الغاز المنزلي التي عانت منها تونس، وسط ارتفاع الطلب المحلي بسبب تدني درجات الحرارة في البلاد.
وفي 3 يناير/كانون ثاني الجاري أعلنت وزارة الصناعة والمناجم والطاقة التونسية حصولها على أكثر من 22 ألف طن من الغاز المنزلي من الجزائر، لمواجهة زيادة الطلب المحلي بسبب موجة البرد التي تعيشها البلاد خلال فصل الشتاء.
وليست هذه المرة الأولى التي تقدم فيها الجزائر مساعدات لتونس ، مع ارتفاع حدة التحديات المالية والاقتصادية.
ففي عام 2020، أودعت الجزائر مبلغ 150 مليون دولار لدى تونس، أتبعته بقرض بقيمة 30 مليون دولار في ديسمبر/كانون أول 2021 وقرض آخر بقيمة 200 مليون دولار، ومنحة مالية بقيمة 100 مليون دولار في ديسمبر/ كانون الأول 2022.
وفي ذات سياق التعاون، وقع البلدان أواخر العام 2021 على 27 اتفاقية تخص الأمن والقضاء والصناعة والطاقة.
ويقول الإعلامي الجزائري المقيم في تونس نصر الدين بن حديد، إن الأهم من القروض الرسمية ”هو غض الجزائر الطرف عن تمرير السلع الأساسية إلى تونس من قبل تونسيين يزورون الجزائر وفسح المجال للتونسيين للتزود من السوق الجزائرية“.
وأضاف بن حديد: «من طبرقة (ولاية جندوبة – شمال) إلى حزوة (ولاية توزر – جنوب غرب) الدخل الأساسي للتونسيين مدعوم من الجزائر.. عدا عن كون تونس وجهة أساسية للسياحة الجزائرية للخارج“.
وفي تصريحات ، قال أيمن الرحماني مدير الدراسات والتعاون الدولي في الديوان الوطني للسياحة (حكومي): «السوق الجزائرية حققت رقما قياسيا لأول مرة عام 2023، تجاوزت بمفردها أكثر من 3 ملايين سائح إلى تونس من بين قرابة 9.3 ملايين سائح».
وحول خلفيات القروض التي أسندتها الجزائر لتونس، قال بن حديد: «الجزائر لها 6 آلاف كلم من الحدود المتوترة، بما فيها العلاقة مع المغرب وكذلك مع جنوب الصحراء وعدم استقرار الوضع في ليبيا، بينما تبقى فقط تونس مستقرة“.
وأضاف أن غلق الأبواب أمام التوترات لا يأتي من الناحية العسكرية والأمنية فقط، ”بل بالاستقرار السياسي وتحسين الاستقرار الاجتماعي بتحسين القدرة الشرائية للمواطن“.
وشدّد على أن «الجزائر تتعامل مع تونس مهما كان من يقودها.. فهي تعاملت مع (حركة) النهضة عندما كانت في الحكم (بين 2011 و2021)، وللجزائر اليوم نفس العلاقة الجيدة مع(الرئيس قيس) سعيّد».
وأضاف أن «علاقات الجزائر مع تونس لا مكان فيها للأيدولوجيا.. فهي تتعامل مع الجهات الرسمية القائمة مهما كانت أفكارها.. الجزائر تريد حفظ الأمن والتعاون، ومنذ سنوات هناك نحو 300 ألف تونسي يشتغلون في الجزائر“.
ويقول وزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيس: «ما يمكن قوله إن التواصل والتعاون أمانة وأخوة وتفتح، يدل على وعي جديد لمركزية الجزائر في إيمانها بأنها هي التي تمسك مفتاح تأسيس المغرب الموحد الكبير“.
وأضاف ونيس: «هناك إيمان من القيادة الجزائرية المتواصلة بأن لها رسالة تاريخية بحكم المركزية الجغرافية لها، وبحكم الطاقة الاقتصادية التي تمتلكها.. فهي المرجع في التقدم لتأسيس المغرب الكبير».
وحول تدهور العلاقات الجزائرية – المغربية ودور تونس قال ونيس إن «تدهور العلاقات بين الجزائر والمغرب له أبعاد جيواسترتيجية.. وبالنسبة لتونس لا نرى ضرورة في تفضيل الشرق على الغرب، الضرورة المؤكدة هي أن نؤسس المغرب الموحدة“.
وأضاف ونيّس: «نؤكد أننا لا نرتاح للقطيعة بين الجزائر والمملكة المغربية، كما أننا نأسف لتواصل الأزمة ما بين الجزائر وجيرانها في ما يخص قضية الصحراء الغربية“.
وقال ونيّس: «نحن في تونس، مررنا بثورة ديمقراطية زعزعت أركان الأنظمة المحيطة بنا، ففي ليبيا تفجرت القضية ضد (معمر) القذافي».
وتابع: «وفي المشرق العربي تزعزعت الأنظمة في مصر وسوريا واليمن، إلا أن الجزائر حافظت على خيارها السياسي ومد يد المساعدة إلى تونس التي احتاجت إلى مساعدة اقتصادية أعمق من جيرانها“.
ويلفت رضا الشكندالي، أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية إلى جوانب أخرى اقتصادية شجعت على العلاقات الجيدة بين تونس والجزائر. ويقول: «العلاقة الاقتصادية التونسية الجزائرية هي علاقة أحادية الجانب على أساس أن تونس لديها عجز في الغاز الذي تحتاجه من الجزائر»
وأضاف الشكندالي: «الاقتصاد لا يتحرك إلا بالطاقة، وهناك نوع من التبعية التونسية للجزائر التي لم يكن لنا عجز تجاري معها.. الآن أصبحت الثالثة بعد الصين وروسيا».
وبدا حذرا من أنه «ربما تكون هناك تبعية في اتخاذ القرارات السياسية الهامة، ومنها التوجه نحو المعسكر الشرقي وحتى اتباع سياسات تتجه للحمائية».