تشهد المنطقة الحدودية "الكركرات" في هذه الأيام تصعيداً خطيراً وغير مسبوق من نوعه، من طرف كل من جبهة البوليساريو والمغرب، اللذين يعتبران طرفَي النزاع في قضية الصحراء.
التصعيد الأخير لم يسبق للمنطقة أن عرفته منذ 1991، التاريخ الذي وقع فيه طرفا النزاع اتفاقية وقف إطلاق النار بين "المغرب والبوليساريو"، إلا أنه وكما لاحظنا فإن الطرفين في طريقهما إلى خرق هذه الاتفاقية.
وعرفت النقطة الحدودية بين المغرب وموريتانيا، المعروفة بـ"الكركرات"، هذا التصعيد منذ شهور بعد إقدام السلطات المغربية على تعبيد الطريق بالمنطقة المذكورة، الأمر الذي رفضته جبهة البوليساريو جملةً وتفصيلاً.
وبقيت الأمور في توتر يوماً بعد يوم؛ حيث المغرب من جهة والبوليساريو من جهة ثانية، لكن الجبهة تصر على استفزازها للمملكة المغربية بعدة خطوات لن يقبلها المغرب، مما دفع به إلى التصعيد وأخذ الحيطة والحذر.
جبهة البوليساريو، يوماً بعد يوم، تصر على استفزازها للمغرب بتواطؤ مع الجارة الجنوبية للمغرب موريتانيا، بدءاً بالسماح لمقاتلين تابعين للبوليساريو بدخول منطقة "الكويرة" التي تقع في أقصى نقطة في جنوب المغرب، وتبعد عن مدينة الداخلة المغربية بأزيد من 700 كلم؛ حيث لن يسمح لأي شخص كان بدخول منطقة "الكويرة" إلا بموافقة صريحة من السلطات الموريتانية، الأمر الذي يكشف عن أن السلطات الموريتانية تتواطأ مع جبهة البوليساريو في استفزازها للمغرب.
رجوعاً إلى منطقة "الكويرة"، وللتعرف عليها أكثر، فهي ومنذ توقيع اتفاق السلام مع تنظيم البوليساريو الذي بموجبه خرجت موريتانيا من حرب الصحراء المغربية بتاريخ 5 أغسطس/آب 1979، بقيت المدينة تحت سيطرة موريتانيا والمغرب، كونها تشكل منطقة استراتيجية بالنسبة لموريتانيا؛ لأنها على تخوم العاصمة الاقتصادية لموريتانيا.
وذلك في انتظار تسوية نهائية للقضية الصحراوية برمتها، بحسب تفاهمات بين المملكة المغربية والسلطات الموريتانية، كما ظلت المنطقة معزولة تماماً تحرسها فرقة من حرس الحدود الموريتاني قليلة العدد تتموقع أساساً داخل المدينة وعلى الحدود، كما يحرسها أيضاً مجموعة من الدرك المغربي.
أما وسط منطقة الكويرة وجنوبها فهي عبارة عن سهول تتخللها هضاب على الشاطئ معزولة وبعيدة عن عبث الإنسان.
واستمراراً في موضوعنا، فإن جبهة البوليساريو، وكما أشرنا سابقاً، تواصل استفزازها المتتالي للمغرب، وهذه المرة، بالسماح لزعيم الجبهة بدخول منطقة "الكويرة" رفقة مقاتليه، الأمر الذي اعتبره متابعون للقضية الوطنية استفزازاً صريحاً من طرف البوليساريو وموريتانيا.
الجارة الجنوبية للمملكة المغربية لم تكفَّ عن استفزازها غير المفهوم، وتخطط مرة أخرى وبتواطئها مع البوليساريو والجزائر، من أجل نقل جزء من مخيمات تندوف صوب منطقة "الكويرة" وإقامة مجمع سكني هناك.
كما أن هذه الخطوات المتتالية والمستفزة وغير المسبوقة، وغير المقبولة فعلاً، دفعت السلطات المغربية إلى حشد قواتها المسلحة باتجاه منطقة "الكركرات" على الحدود المغربية الموريتانية، تحسباً لأي طارئ، حسب وسائل إعلامية مغربية.
كما أن الجبهة الانفصالية هي الأخرى، وحسب ما أوردته وسائل إعلامية قريبة من الجبهة، قامت مؤخراً بحشد العديد من قواتها لمنطقة "الكركرات" وذلك مواصلة في استفزازاتها للمملكة المغربية.
وتبقى هذه التصعيدات الخطيرة وغير المسبوقة من قبل طرفَي النزاع في الصحراء (المغرب والبوليساريو)، في ظل عدم صدور أي رد رسمي من السلطات المغربية لا بتكذيب الأمر أو بتوضيح، الأمر الذي يطرح عدة علامات استفهام حول ما تخطط له السلطات المغربية للرد على هذه الاستفزازات؟ وهل تعتبر أن هذا التصعيد الأخير أمراً غير مهم؟
وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه الآن بالمنطقة، فإنه وبالتأكيد سيحوّل المنطقة إلى وضع غير مسبوق، وسيؤدي إلى حرب رمالية ثانية بين المغرب والبوليساريو، إن لم يكن هناك تدخل دبلوماسي لتهدئة الوضع الراهن.
كما نرى أن هذه الاستفزازات جاءت عقب الزيارات الملكية لأدغال إفريقيا والناجحة دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً، وكذلك اقتراب المغرب من العودة إلى الاتحاد الإفريقي، وهو ما دفع كلاً من البوليساريو وصانعتها الجزائر إضافة إلى حليفتهما موريتانيا إلى استفزاز المغرب بهذه الطريقة غير المقبولة.
ومن المؤكد سيؤدي هذا التطور الاستفزازي إلى زيادة تأزم العلاقات السياسية والاقتصادية بين المغرب وجارته الجنوبية موريتانيا، بسبب ما أقدمت عليه من استفزازات غير مسبوقة، الشيء الذي لا يتقبله المغرب، كما أنها ولا محالة ستعقد استمرار الاتفاقية المبرمة بين المغرب ونيجيريا بخصوص أنابيب الغاز مؤخراً؛ حيث أن موريتانيا أقدمت مؤخراً على خطوات غير مفهومة ترسل من خلالها رسائل مشفرة إلى المغرب، وتؤكد أنها ستعرقل تطبيق هذه الاتفاقية التاريخية بين المغرب ونيجيريا.
المصدر