تتجه الساحة السياسية الموريتانية حالياً للدخول في مرحلة جديدة وساخنة من تجاذباتها المعهودة، حيث أجرى الرئيس الموريتاني تعديلاً جزئياً في حكومته، وهيأ لمؤتمر مشترك لغرفتي البرلمان ينتظر عقده الأسبوع المقبل لإقرار التعديلات الدستورية التي تمخض عنها حوار تشرين الأول/أكتوبر الماضي المثير للجدل.
وفي الجانب الآخر، أكمل الدوري للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة وهو أكبر تجمع لخصوم الرئيس الموريتاني أمس ندوته السياسية التي استمرت يومين تحت شعار «ثماني سنوات من تسيير النظام.. مسار فاسد وأداء فاشل».
وخصصت هذه الندوة لعرض ومناقشة مواضيع متعددة تتعلق بالوضع السياسي والاقتصادي للبلاد والقضايا المجتمعية الكبرى وكذا المشاكل التي يعاني منها المواطنون في حياتهم اليومية. وناقش خبراء وسياسيو ومناضلو المنتدى المعارض قضايا عدة في مقدمتها إشكالية التناوب الديمقراطي على السلطة ومتطلباته، والتعديلات الدستورية، والفساد والحكامة، والمواطنة والوئام الاجتماعي والوحدة الوطنية، ومعاناة المواطنين مع الحالة المدنية وغلاء المعيشة وانعدام الأمن، إضافة لعلاقات موريتانيا بمحيطها الإقليمي والدولي. وأعلن الشيخ سيد أحمد ولد باب أمين رئيس المنتدى المعارض «أن الندوة التي أنهت أشغالها أمس، تعتبر فاتحة لسلسلة أنشطة تصعيدية ضد نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز». وأكد الرئيس الدوري للمنتدى المعارض «أن الأنشطة المقررة تشمل بين أمور عديدة أخرى، تنظيم مهرجان جماهيري بولاية نواكشوط الغربية يوم غد السبت يتلوه مهرجان سينظم في نواكشوط الشمالية يوم الـ21 من الشهر الجاري، ثم مهرجان آخر في نواكشوط الجنوبية في الثامن والعشرين يناير الجاري».. وخلال عرض قدمه الوزير الأول الموريتاني الأسبق يحيى ولد أحمد الوقف ضمن محور «الوضع السياسي وآفاق التناوب الديمقراطي» في ندوة المنتدى المعارض «أن موريتانيا تعيش منذ ربع قرن ديمقراطية شكلية وأن نذر الانفجار الشعبي قائمة اليوم». وأكد «أن من أبرز مقوضات دعائم الحكامة الديمقراطية، هيمنةَ السلطة التنفيذية على جميع السلطات الواقع حالياً في موريتانيا، وهي الهيمنة التي حولت السلطة التشريعية إلى غرف تسجيل». وقال «إن تحكم السلطة التنفيذية في القضاء من خلال ترؤس رئيس الجمهورية للمجلس الأعلى له وتدخله في هيكلة المحاكم، أدى لخلل كبير في توازن السلطات المتجمعة في يد شخص واحدة». وأضاف ولد أحمد الوقف «أن من شروط الحكامة الديمقراطية تنظيم انتخابات حرة وبشكل منتظم، وهو ما لم يحدث في موريتانيا بعد عام 2007، حيث تأخرت الانتخابات النيابية والبلدية سنتين كاملتين، بينما زادت مأمورية مجلس الشيوخ ست سنوات، وهو ما جعل المؤسسات القائمة مؤسسات منتهية الصلاحية وغير شرعية».
وأكد في عرضه «أن الديمقراطية المطبقة حالياً في موريتانيا شكلية، فهي تعددية حزبية وليست تعددية سياسية»، مبرزاً «أن النظام القائم ميع الساحة السياسية بالترخيص لمئات الأحزاب المبتذلة والمرخص لها على أساس الطمع والتطبيل، والتي لا يحمل أغلبها هم الوطن ومشاكل المواطن». وأكد ولد أحمد الوقف «أن النظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز يغيب الدعامة الرابعة من دعائم الحكامة الديمقراطية وهي حرية الإعلام، وذلك بتوظيفه للإعلام الرسمي في مدحه وذم المعارضة وتسخير وسائل الدولة للضغط على الإعلام الخصوصي، وعدم التعاطي مع الفضائح التي تخرج عبر الإعلام المستقل».
وقال «إن حصيلة كل هذا هي أزمة سياسية واجتماعية عميقة»، مشيراً إلى أن النظام يعترف بهذه الأزمة لكنه لم يضع لها من الحلول واكتفي بتنظيم الحوارات الجزئية واستبعاد المعارضة الحقيقية عنه وتعديل الدستور في ظروف غير توافقية كما حصل 2012 ويحصل اليوم». وضمن مؤشرات التجاذب القائمة، أعلن أنصار بيرام ولد اعبيد رئيس حركة مبادرة انبعاث الحركة الإنعتاقية «إيـرا» المعارضة المتطرفة، عن عودة زعيمهم إلى موريتانيا الأحد المقبل بعد جولة إفريقية وأوروبية دامت أشهراً عدة وخصصها الحقوقي ولد الداه لانتقاد النظام الموريتاني وتشويه سمعته في محافل دولية وإفريقية عدة. وستزيد عودة رئيس حركة مبادرة انبعاث الحركة الإنعتاقية في توتير المشهد السياسي الموريتاني نظراً للتناقض القائم بين هذه الحركة والسلطات الأمنية الموريتانية التي تمنع أي نشاط لهذه الحركة غير المرخص لها. وقبل عودة المقررة بعد غد الأحد، أعلن زعيم حركة «إيرا» بيرام ولد الداه «أنه قرر العودة إلى موريتانيا رغم أنه بات مهدداً بالتصفية الجسدية»، حسب قوله.
وقال «إنه قرّر العودة إلى موريتانيا رغم إداركه لحجم المخاطر التي قد يتعرض لها والتي قد تصل لتصفيته جسدياً»، مضيفاً قوله «مكاني ودوري هناك في موريتانيا سواء كنت حرّاً أو سجيناً».
نواكشوط ـ «القدس العربي»