
صدر تقرير تحقيقي موسّع عن مؤسسة Specto Media تحت عنوان "حطام سياسة الهجرة: مذكرة تفاهم الاتحاد الأوروبي وموريتانيا، بين الردع والخرق الممنهج لحقوق الإنسان"، يكشف عن انتهاكات جسيمة ناجمة عن مذكرة التفاهم الموقعة بين الاتحاد الأوروبي والحكومة الموريتانية في فبراير 2024. يتكوّن التقرير من 83 صفحة، ويعتمد على مجموعة متنوعة من وسائل التحقيق الصحفي والميداني داخل وخارج موريتانيا، بما يشمل مقابلات مع مهاجرين سابقين، ومصادر أمنية، وتحليل وثائق رسمية وسرية، بالإضافة إلى مساهمات علمية من باحثين موريتانيين مختصين هما الدكتور الحاج ولد إبراهيم (FMSH، باريس)، والدكتور الحسن ولد المختار (SOAS، لندن)، وهما من أبرز المتخصصين في قضايا الهجرة، الأمن الحدودي، والجيوسياسات في الساحل والصحراء.
اتفاق محفوف بالمخاطر
يحذر التقرير من أن الاتفاق الحالي بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي، رغم ترويجه بوصفه شراكة "تنموية-أمنية"، يُستخدم في الواقع كأداة سياسية لردع المهاجرين، ويؤدي إلى توسيع دائرة الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان، سواء من خلال الاعتقال التعسفي، أو الطرد الجماعي، أو التواطؤ في عمليات احتجاز غير قانونية. وفي مقدمة توصياته، يدعو التقرير إلى تعليق فوري لمذكرة التفاهم (MoU) الموقعة في فبراير 2024، نظراً لعدم احترامها للمعايير القانونية والإنسانية المنصوص عليها في القوانين الدولية والأوروبية، مشيراً إلى أنها تُرسّخ سياسة تجريم التنقل البشري وتضرب مبدأ الكرامة الإنسانية عرض الحائط.
هجرة في سياق داخلي متفجّر: عنصرية، عبودية، وتحريض بلا محاسبة
يحذر التقرير كذلك من خطورة تجاهل الحكومة الموريتانية لحملات التحريض العنصري التي يتعرض لها المهاجرون واللاجئون، والتي غالباً ما تُطلق من قبل شخصيات إعلامية أو سياسية دون أي محاسبة تُذكر. ووفقاً للتحقيق، فإن هذا السكوت الرسمي عن خطاب الكراهية يخلق بيئة عدائية تسهّل الانتهاكات، وتغذي العنف الرمزي والمادي ضد الفئات المهمشة. ويشير التقرير إلى أن تسييس ملف الهجرة واستخدامه أداة تفاوض مع الاتحاد الأوروبي لا يمكن فصله عن المشاكل البنيوية العميقة داخل موريتانيا نفسها، وعلى رأسها الإرث الثقيل للعنصرية، وبقايا نظام العبودية، والندوب غير المندملة لأحداث 1989، التي شهدت موجات تهجير جماعي وانتهاكات واسعة بحق آلاف المواطنين من فئات معينة. بهذا المنظور، يرى معدّو التقرير أن التعامل مع الهجرة بمعزل عن هذه السياقات التاريخية والاجتماعية ينطوي على خطر إعادة إنتاج منظومة الإقصاء نفسها، سواء على الحدود أو داخل البلاد، وهو ما يجعل أي "شراكة" بين الاتحاد الأوروبي وموريتانيا فاقدة للشرعية الأخلاقية والإنسانية ما لم تُبْنَ على مساءلة حقيقية وشاملة للسلطة ولسردياتها الداخلية.
توصيات رئيسية: محاسبة، شفافية، وإنهاء للاحتجاز
يوجه التقرير سلسلة من التوصيات إلى الاتحاد الأوروبي، والسلطات الإسبانية، والحكومة الموريتانية، من أبرزها:
• إنشاء آلية مستقلة للمراقبة والتقييم لضمان احترام الحقوق الأساسية في البرامج الممولة أوروبياً.
• تعليق فوري لبرنامج GARSI-Sahel الذي يشرف عليه الاتحاد الأوروبي، وفتح تحقيق مستقل بشأن تورطه المحتمل في انتهاكات موثقة.
• وقف ربط المساعدات التنموية بالتعاون في مجال الهجرة، لضمان ألا تكون حياة الموريتانيين ثمناً للصفقات السياسية.
• إنشاء آلية إقليمية لتحديد جثث المهاجرين المفقودين وإعادتهم، التزامًا بالقانون الدولي.
• دعوة السلطات الإسبانية إلى إعادة النظر في اتفاقياتها مع موريتانيا لضمان وقف عمليات الطرد القسري، وإنهاء الاحتجاز التلقائي للمهاجرين القادمين عبر البحر.
• إلغاء المادة 318 مكرر من القانون الجنائي الإسباني التي تُستخدم لتجريم "تسهيل الدخول غير القانوني" حتى في غياب أي مقابل مادي.
• مطالبة الحكومة الموريتانية باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، ووقف الاعتقال التعسفي الجماعي للمهاجرين، وتنفيذ توصيات لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التمييز العنصري الصادرة في مايو 2018.
هجرة تحت القصف... و"موت بتمويل أوروبي"
يحذر التقرير من أن البيئة الأمنية التي تحيط بهذه السياسات، لا سيما استخدام الطائرات المسيّرة (بعضها مزود بتقنيات إسرائيلية)، أدت إلى مقتل عشرات المدنيين الصحراويين والموريتانيين، بما في ذلك منقبين تقليديين قتلوا على الحدود في مايو 2025. وتؤكد المعلومات أن التمويل الأوروبي يساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا الوضع المتفجر.
إعادة التفكير في النموذج
يخلص التقرير إلى أن نموذج "الهجرة مقابل المال" الذي تعتمده بروكسل مع نواكشوط لا يؤدي إلا إلى تعميق الأزمات الاجتماعية والسياسية في موريتانيا، وتكريس وضع أمني قائم على القمع والتمييز والتجريم. في ظل هذه المعطيات، يدعو الباحثان المشاركان في إعداد التقرير، الحاج ولد إبراهيم والحسن ولد المختار، إلى صياغة بدائل أكثر إنسانية وعدالة، ترتكز على احترام القانون الدولي، وتبتعد عن منطق الردع والعسكرة، وتعترف بحق الناس في التنقل والحياة الكريمة.
روابط التقرير:
• للاطلاع على النسخة الكاملة للتقرير عبر موقع Specto Media بالإنجليزية
https://spectomedia.org/shipwreck-of-a-migration-policy/
• لتحميل التقرير الكامل بصيغة PDF نسخة عربية وإنجليزية
https://drive.google.com/file/d/1JOZJzgue8U0DKV9ZwAU4CkwUjWiJcuZ7/view