
قال السياسي الإسلامي البارز محمد جميل ولد منصور، في مداخلته مساء اليوم بندوة نظمها المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية في موري سانتر حول “المنظومة الوطنية لمحاربة الفساد بين الحكومي والمجتمعي”، إن الحديث عن الفساد ومحاربته كثيراً ما يخضع لرؤيتين متناقضتين؛
فالأولى تقلل من حجمه وتعتبر ما يُثار حوله مبالغات أو أخطاء إدارية عادية لا تخلو منها أي دولة،
بينما الثانية تُعمّم الاتهامات وتلصق صفة الفساد بكل مسؤول دون تثبت أو دليل، وتوظَّف أحياناً في صراعات سياسية أو لتصفية الحسابات.
وأوضح ولد منصور أن تجاوز هاتين النظرتين شرط أساسي لاعتماد مقاربة موضوعية وجادة في الحرب على الفساد، تُعرّف الفساد بدقة وتحدد مظاهره ومسؤوليه، دون تمييع أو تعسّف.
وأكد أن دور المؤسسات السياسية حاسم في هذه المعركة، موضحاً أن الحكومة والبرلمان والأحزاب تقع على عاتقها مسؤوليات متكاملة:
“الحكومة مطالبة بأن تجعل من محاربة الفساد هماً حكومياً دائماً يظهر في سلوك الوزراء وإجراءاتهم الأسبوعية، وأن تشجع المبلغين عن الفساد، وتُصلح الإدارة بإسناد المناصب الحساسة إلى الأكفاء والنزهاء، وأن لا تتسامح مع أي تجاوز.”
وأشار إلى أن الحكومة الحالية نجحت في استكمال المنظومة القانونية والمؤسسية لمحاربة الفساد، عبر النصوص التي أُقرت في الدورة البرلمانية الماضية وتعيين رئيس الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد، لكنه لفت إلى بطء في معاقبة المفسدين واسترداد الأموال المنهوبة.
وفي حديثه عن البرلمان، قال إن عليه أن يفعل أدواته الرقابية بجدية، وأن تكون لجان التحقيق والمساءلات البرلمانية وسيلة فعالة لا شكلية، مشيراً إلى أن “الأغلبية البرلمانية يجب ألا ترى الرقابة نقيضاً للدعم السياسي، والمعارضة مطالبة بأن تتعامل مع الموضوع بمهنية لا بشعارات”.
أما الأحزاب السياسية، فأكد ولد منصور أن عليها أن تضع محاربة الفساد ضمن برامجها وممارساتها العملية، وأن تبتعد عن تزكية المفسدين أو تبرير سلوكهم، مضيفاً أن “الأحزاب مسؤولة عن ترسيخ ثقافة الإصلاح داخل صفوفها، وأن تكون بيئاتها الداخلية نموذجاً للشفافية.”
وأضاف قائلاً: “الفساد خطر داهم يهدد الاقتصاد والاستقرار والأخلاق، ومحاربته واجب وطني لا يجوز الاستسلام في وجهه ولا التهور في معالجته، بل تتطلب الواقعية الصارمة التي تجمع بين الحزم والتدرج.”
واستشهد بمقولة مشهورة لمؤسس نهضة سنغافورة: “تنظيف الدولة من الفساد يشبه تنظيف الأدراج، يبدأ من الأعلى.”
وختم ولد منصور قائلاً إن تطبيق توصيات محكمة الحسابات ومحاسبة رؤوس المؤسسات والقطاعات التي يثبت تورطها خطوة ضرورية في مسار ينبغي أن يستمر دون تردد ولا انتقائية، مؤكداً أن “محاربة الفساد استحقاق وطني، وصعوبتها لا تلغي إمكانية النجاح فيها، إذا توافرت الإرادة السياسية والمجتمعية الصادقة.