الأوقية بين الإصلاحات المفروضة وتراجع السيادة الاقتصادية

سبت, 08/11/2025 - 19:08

الدكتور سيدي القاظي
في مطلع حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، وجدت موريتانيا نفسها تحت ضغط شديد من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين ربطا حصول البلاد على القروض والمساعدات بتنفيذ ما عُرف حينها بـ"الإصلاحات الهيكلية".
تلك الإصلاحات شملت تقليص دور الدولة في الاقتصاد، وخصخصة المؤسسات العمومية، وفتح السوق أمام المنافسة، وربط العملة الوطنية – الأوقية – بآليات العرض والطلب بدلاً من تثبيتها بسياسة نقدية صارمة.
غير أن هذه الإجراءات لم تحقق الازدهار الموعود، بل كانت لها تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة. فقد أدى تحرير سعر الصرف إلى انخفاض حاد في قيمة الأوقية أمام العملات الأجنبية، خاصة الدولار واليورو، مما تسبب في ارتفاع تكاليف الاستيراد في بلد يعتمد بشكل شبه كامل على السلع الخارجية.
 
انعكس تراجع الأوقية مباشرة على الأسعار، فارتفعت تكاليف المواد الغذائية والوقود والأدوية، وتزايد التضخم بوتيرة أسرع من نمو الأجور. ومع تراجع الدعم الحكومي وارتفاع الضرائب، تآكلت القدرة الشرائية للمواطنين، وأصبحت الأجور الشهرية عاجزة عن تغطية الاحتياجات.
 
الموظف والعامل والتاجر المحلي واجهوا جميعاً معضلة مشتركة: الأسعار ترتفع والرواتب شبه ثابتة، فيما تُسعَّر السلع الأساسية عملياً بالعملة الصعبة. في المقابل، استفادت قلة محدودة من النخبة الاقتصادية من بيئة اقتصادية غير متكافئة، اتسمت بالاحتكار والمضاربة، ما زاد من حدة التفاوت الاجتماعي.
 
 
ترك الأوقية لآليات السوق لم يكن مجرد قرار مالي، بل رهان سيادي خاسر في كثير من جوانبه. فحين تفقد الدولة قدرتها على ضبط سعر عملتها، تفقد جزءاً من سيادتها الاقتصادية، وتصبح رهينة لتقلبات الأسواق الخارجية. ويكشف هذا الواقع هشاشة القاعدة الإنتاجية الوطنية واعتماد البلاد الكبير على الواردات.
 
تُظهر تجارب دول أخرى مثل الأرجنتين والمكسيك أن خفض قيمة العملة لا ينعش بالضرورة الاقتصاد، بل قد يؤدي إلى تضخم وانكماش متزامنين، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع الطلب والاستثمار.
 
سقوط الحاد في قيمة الاوقية حاليا مقابل العملات الأجنبية وخاصة اليورو والدولار لدولة مثل موريتانيا التي تستورد معظم حاجياتها من الخارج، يؤدي إلى آثار اقتصادية متعددة نذكر منها ارتفاع تكلفة الاستيراد، وزيادة التضخم، وضعف القدرة الشرائية للمواطنين.
مما سيسبب إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، الوقود، والمنتجات الصناعية، ما يقلل القوة الشرائية للمواطنين، لأن السلع المستوردة تصبح أغلى، فالمؤسسات تدفع أكثر بالعملة المحلية أي الاوقية للحصول على نفس الكمية من السلع الأجنبية.
 
لقد حان الوقت لإعادة النظر في السياسات النقدية والمالية المفروضة من الخارج. فالتنمية الاقتصادية الحقيقية لا تتحقق بوصفات جاهزة، بل بسياسات وطنية تعزز الإنتاج المحلي، وتدعم العملة الوطنية، وتحمي المواطن من تقلبات السوق.
إن استعادة التوازن الاقتصادي والسيادة النقدية ليست مسألة مالية فحسب، بل رهان على الكرامة الوطنية والاستقرار الاجتماعي.
 
الدكتور سيدي القاظي القاظي
أستاذ تعليم عالي في الاقتصاد والتسيير بالأكاديمية