
أثار إعلان المغرب اقتناء عشر مروحيات عسكرية من طراز “H225M” من شركة “إيرباص” خلال معرض دبي للطيران الأخير، موجة جديدة من القلق داخل الأوساط العسكرية والإعلامية الإسبانية، التي ربطت الصفقة باستراتيجية أوسع للمملكة تهدف إلى تعزيز نفوذها البحري، وتوسيع حضورها في المناطق القريبة من جزر الكناري.
صحيفة “إل إندبندينتي” الإسبانية، ربطت الصفقة مباشرة بجهود المغرب لتحديث سلاحه الجوي وتطوير قدراته في عمليات البحث والإنقاذ القتالية، “خصوصا بعد توسيع نطاق عملياته البحرية قبل عامين على حساب مناطق كانت تقع ضمن مسؤولية إسبانيا”، وفق تعبيرها.
واعتبرت الصحيفة أن المغرب لم يكن يسعى فقط إلى استبدال أسطول “بوما” القديم الذي يخدم منذ أكثر من أربعة عقود، بل إلى “تعزيز حضوره الفعلي داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة، وهي منطقة ظلت موضوع خلاف بين البلدين منذ سنوات”.
وفي هذا السياق، قال الخبير العسكري الإسباني، خيسوس مانويل بيريز تريانا، إن “إحدى أهم حجج تعزيز الحقوق في المنطقة الاقتصادية الخالصة هي امتلاك الوسائل اللازمة لممارسة السيطرة عليها، وهذا ما يقوم به المغرب حاليا”.
هذا التصريح، يعكس قناعة متزايدة في مدريد بأن المغرب يعمل على بناء قوة جوية وبحرية متماسكة تسمح له بممارسة شكل من “السيادة الميدانية” داخل نطاقات تعتبرها إسبانيا ضمن نفوذها الطبيعي.
وذكر المصدر ذاته أن المروحيات الجديدة “H225M” ستصل مجهزة برافعة مزدوجة وكشاف ضوئي متطور ونظام “Safran Euroflir 410” الكهروضوئي، فضلا عن إمكانية تركيب رشاشات وأنظمة حرب إلكترونية.
ووصف الخبير العسكري الإسباني هذه الطائرة بأنها “ممتازة”، مضيفا أنها حققت نجاحا كبيرا في مهام مكافحة حرائق الغابات داخل إسبانيا نفسها.
وتشمل الصفقة المغربية، أيضا، إنشاء مركز للصيانة والإصلاح في المملكة، لتصبح القاعدة الإقليمية لـ”إيرباص” في غرب إفريقيا، وهو ما أثار قلقا في مدريد، باعتباره توسعا لنفوذ الرباط الصناعي والعسكري في المنطقة مقابل تراجع نسبي للدور الإسباني.
ويأتي هذا التطور بعد تسلم المغرب 6 مروحيات أباتشي “AH-64E” مطلع العام الجاري، وتعبيره سابقا عن اهتمامه بطائرة الشبح الأمريكية “F-35”.
في المقابل، تورد الصحيفة أن مدريد تمتلك مروحيات “NH90” الأكثر تطورا من “H225M”، لكن الفارق “لا يقاس فقط تكنولوجيا، بل استراتيجيا”، موضحة أنه “في الوقت الذي تستثمر فيه إسبانيا في التكنولوجيا، يستثمر المغرب في القدرات التي تمنحه مدى ونفوذا أكبر فوق المحيط الأطلسي”.
وترى “إل إندبندينتي” أن الصفقة تأتي في سياق “حساس للغاية”، إذ أعلن المغرب في 2020 ضم المياه القريبة من جزر الكناري، وعدل في 2023 نطاق مناطق البحث والإنقاذ البحرية التابعة له، بموافقة إسبانية خالصة، مبرزة أنه “بعد اعتراف مدريد بمبادرة الحكم الذاتي للصحراء عام 2022، بدأت تتنازل تدريجيا عن التنسيق الأمني ومناطق البحث والإنقاذ وبروتوكولات الإنقاذ البحرية”، وفق تعبيرها.
في قراءة الإعلام الإسباني، تسعى الرباط، إلى تبني منظومة متكاملة لتحويل شمال الأطلسي إلى منطقة نفوذ مباشر، عبر تعزيز القدرات العسكرية وتوسيع مناطق الإنقاذ والاستثمار في مراكز الصيانة وتثبيت حضور مؤسسي طويل المدى، الشئ الذي “جعل إسبانيا تشعر بأن ميزان السيطرة في هذه المنطقة الحساسة يتغير فعلا، وربما لم يعد كما كان من قبل”، وفق تعبير “إل إندبندينتي”.
.gif)