عندما قرر النظام الحالي تطبيق مخرجات الحوار الذي شارك فيه إلى جانب أحزاب الموالاة طيف كبير من أحزاب المعارضة؛ وإن كانت أحزاب المعارضة لم تشارك بشكل كامل؛ و تخلف منها جزء كبير وصف أو يوصف بالمعارضة
الراديكالية!؟
انقسم المتفاعلون مع الحدث سلبا أو إيجابا إلى مباركين لنتائج الحوار؛ متعطشين إلى تطبيق مخرجاته؛ التي من بينها إضافة خطين بلون أحمر إلى العلم الوطني؛ اعترافا للشهداء في سبيل هذا الوطن بتضحياتهم، بالإضافة إلى الاستغناء عن مجلس الشيوخ لعدم جدوائيته-حسب المتحاورين- ولإعاقته لمشاريع القوانين بطريقة أو بأخرى.
ينضاف إلى ذلك إدماج بعض المؤسسات
واستحداث أخرى..
أما القسم الثاني أو المجموعة الأخرى فقد ظهرت
كطرف رافض لما سمي حوارا؛ وبقوة واعتبرته مهزلة كبرى وبدأت تحاول جاهدة إظهار عيبه ومكمن خلله واستخدمت لذلك شتى الوسائل وصنوف الحيل؛ حتى لجأت إلى الشيطنة والتطير واستغلال النصوص الشرعية-حسب الطرف الآخر.
لقد تجلى من خلال طبيعة التعامل مع القضايا الوطنية في بلادنا أن هناك مشكلة كبرى تعاني منها الساحة السياسية؛ هي أن السياسي يستغفل المواطن باسم المصلحة العامة ليصل أولا وأخيرا إلى مصلحته الخاصة، يوهمه باسم الدين ليحقق بذلك التفاعل مع ميوله وتشبعه السياسي؛ وهذا ما لاحظناه مع ألوان العلم الوطني بشكله الحالي وتلك المقترحة لتصويت الشعب؛ فالذين عارضوا الاقتراح ذابوا في مدح اللون الأخضر وربطوه بذكره في القرآن والحالة نفسها انتهجوها مع اللون الأصفر دون غيرهما من الألوان المذكورة في القرآن، ونسوا أو تعمدوا التدليس على المواطن البسيط المستغفل من طرفهم ومن طرف غيرهم أن هذه الألوان باقية وإنما الحاصل هو إضافة أخرى تثمينا واعترافا لشهداء وأبرار من أبناء هذا الوطن الكريم!!.
لقد بالغ الرافضون والمنفرون من اللون الأحمر المتطيرون منه ونسوا أو تغافلوا عن أن الألوان بل جملة الأشياء لا توجد بها علل ملازمة ولا قبح يسكنها وإنما ترتبط بالمعاريض و الإفضاءات لا غير .
لقد فات هؤلاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس الحلة الحمراء في منن وكان يلبسها يوم العيد ولم ير أحسن منه في هيئة..وكان يوصي -صلى الله عليه وسلم بأن يزمل الشهداء في دمائهم تيامنا بدم الشهيد لشرفه و عظمه عند الله تبارك وتعالى؛ كما كان يكني أمنا عائشة رضي الله عنها بالحميراء؛ حين يقول: (سبقتني هذه الحميراء).
إن الذين يذهبون إلى استقباح اللون الأحمر أو التنفير منه يحتاجون إلى دروس في الرمزية العاطفية لأنهم باختصار -حسب الظاهر لم يقدموا لأي كان ورودا حمراء وفي ذلك ما فيه من الدلالة والإشارة..
سيظل العلم الوطني رمزا وطنيا سواء حدثت به تغيرات أو إضافات أم لم تحدث؛ المهم هو تلك الرمزية التي يتفق عليها وتودع في الشيء وإذا لم يزدها إنصاف الشهداء فلن ينقصها؛ بمنطق الرمزية على الأقل، سيظل العلم شعارا يعبر عن الدولة الموريتانية-مهما حدث- الشعار الأول لم يكن موجودا مع وجود الإنسان الموريتاني القديم(الشنقيطي) وإنما اختاره المؤسسون أو اختير لهم؛ لا يهم، المهم أنه أصبح علما للجمهورية الإسلامية الموريتانية وتم ربط رفرفته بألوانه هذه مع اسم الدولة في كل المحافل الدولية، نفس الحال وذات الاعتبار سيظل مصانا إذا حدثت به تغيرات، الأكيد هذه المرة أنها تغييرات أو إضافات -إن هي حدثت- ستكون بإرادة وطنية خالصة؛ دون إملاء أو إيعاز من جهات خارجية، لأننا ببساطة متناهية ابتعدنا كثيرا عن تحكم المستعمر وإملاءاته وتدخله في كل شيء سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر؛ عن طريق أذياله و أتباعه بالحكم أو التبعية أو الميول والهواية.
إن شهداءنا يستحقون أكثر من خطين رمزيين في علم بلادهم وطبعا سيجعل الأمر-إن وقع- من الأجيال القادمة الخالية من افتعال الصراع والتوظيف السياسي أجيالا تحس بهم أكثر وتستحضرهم أكثر.. ثم إن أبناء الشهداء ينبغي أن يحاطوا بعناية كبرى ويتكفل بأسرهم ويقدم لهم العون الدائم من طرف الدولة ويكون تعليمهم على نفقتها من مراحله الأساسية وحتى الجامعية-مع أن التعليم النظامي في بلادنا مجاني-لكن هناك تبعات النقل والمأكل والملبس وهي التي نعني بما تقدم.
إن الأجيال القادمة الخالية من التسييس والاستجاشة ولزوم التفاعل؛ سواء مع حراك الشيوخ أو ماراتون المعارضين الشيوخ أو من يقفون ضدهم، ستكون أجيال واقعية غير مرتهنة للمراهقة السياسية المتأخرة التي يعيشها بعض الرؤساء السابقين ممن يتباكون من أجل إعادة الكرة لممارسة هوايتهم في تعذيب الأبرياء وتجسيد أفلام الرعب في سجونهم وتطبيق القانون على منهج شريعة بني إسرائيل-إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم من هو دونه أقاموا عليه الحد-وبذلك لعنوا..
إن مرجعيتنا وقدوتنا هو حبيبنا محمد-صلى الله عليه وسلم- الذي بشرنا بأن سبعين ألفا من أمته يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب.
وهم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون.