محاميد الغزلان (المغرب) ـ من إبراهيم الجابري ـ تحت أشعة شمس حارة، تجمّع أطفال ونساء وشيوخ ورجال من بلدة “محاميد الغزلان” في إقليم زاكورة جنوب شرقي المغرب، لمتابعة تحضير الخبز على إيقاع أهازيج صحراوية وتشجيع الحاضرين.
معدو الخبز والمتابعون في “محاميد الغزلان” استسمتعوا بمنظر شروق وغروب الشمس بين الكثبان الرملية، ووحدهم أبناء المنطقة يقاومون ظروف العيش، لكي لا تغيب عاداتهم وطقوسهم الجميلة.
قبل ميل الشمس إلى الغروب، استعد رجال من المنطقة للتنافس على تحضير أفضل خبز، يطلق عليه “الملة”، وهو نوع من الخبز معروف بين الرُحَّل في الصحراء المغربية المتاخمة للحدود المغربية الجزائرية، وذلك ضمن الدورة الرابعة عشر للمهرجان دولي للرُحَّل، الذي أقيم على مدار ثلاثة أيام في النصف الثاني من الشهر الماضي.
دقيق وملح وماء
طريقة تحضير خبر “الملة” خاصة للغاية، حيث يُمزج الدقيق مع الملح والماء، ثم يُعجن حتى الحصول على عجينة متماسكة بشكل يسمح بإعدادها في شكل أقراص.
بعدها، تُوضع العجينة في رمل ساخن جدا، عن طريق حرق خشب متاخم له، وهو ما يسهل عملية نضج الخبز، وبعد دقائق قليلة يكون الخبز المحفوظ من حبات الرمل جاهزا بمنظر جميل، رغم أنه كان تحت الرمل.
ووفق نور الدين بوركابة، وهو باحث مغربي ينحدر من المنطقة، في حديث مع الأناضول، فإن “الرُحًّل يلجؤون إلى هذه الطريقة التقليدية السهلة في طهي الخبز نظرا إلى تعذر توفير فرن”.
وما إن اكتمل إعداد خبز “الملة” حتى عمل الرُحَّ على توزيعه على الزوار، الذين تجمعوا حول المكان، معجبين بمشهد تحضير الخبز تحت الرمل.
11
أهازيج صحراوية
بعد أن تناول نصيبه، قال يوسف المالكي، أحد زوار “محاميد الغزلان”، للأناضول، إن “خبز الملة لذيذ، بالنظر إلى طريقة تحضيره التقليدية”.
وتابع المالكي: “رغم أن الطقس كان مُضطربا بعض الشيء، فقد استمتعت رفقة أصدقائي بأجواء التسابق في إعداد الخبز″.
ولإكمال الرُحَّل فرحتهم، يختتمون مُسابقتهم برقصات تُلهب حماس الجمهور، في مشهد بهيج يرددون خلاله أهازيج وأغان صحراوية.
واعتبر الباحث المغربي، بوركابة، أن “الرُحّلً يسعون دائما إلى خلق أجواء الفرح والبهجة، رغم ما يُكابدونه من صعوبة في العيش”.
وتابع موضحا أن “مبدأ الرُحّل يقوم على الذهاب إلى المنطقة التي تظهر عليها غيوم كثيفة، وبعد أن يسقط المطر ويقضون حاجتهم من الكلأ، لا يدعون أغنامهم تأكله كله، تحسبا لنفاده”.
وشدد بوركابة على أن “الرُحل لا يكترثون لجُوعهم، إلا بعد أن تشبع جمالهم وأغنامهم، وهم دائما على أُهبة الاستعداد للرحيل عندما يحسون بقرب نفاد الكلأ (ما ترعى عليه ماشيتهم) من الواحة، ليستمر ترحالهم في قلب الصحراء الشاسعة”.
“لمنير” وفقيه
الباحث المغربي مضى قائلا إن “الرُحَّل يفوضون لمنير (لقب يطلق على شخص خبير في أحوال الطقس) أمر قيادة القافلة، بحكم تجربته الطويلة في الميدان كي تمر المسافات الطويلة بسلاسة”.
وأردف بأنه “حتى زمن قريب، كانوا يتعاقدون مع فقيه، حافظ لكتاب الله، ليرافقهم في حلهم وترحالهم، مقابل مبلغ من المال بهدف مؤانستهم وتدريس أبنائهم، فيما يشبه مدرسة متنقلة، حرصا على تعليم أبنائهم، لكن اليوم يتركون أبنائهم لدى عائلاتهم لرعايتهم كي لا يفوتوا فرصة استفادتهم من المدرسة”.
وختم بوركابة بأن “الرُحَّل يشكلون ملتقى للحضارات، وينقلون عادات وتقاليد ويأخذون في الوقت نفسه، في تلاقح معرفي يٌخصب الثقافات، ويسهم في خلق حوار وتفاهم وألفة اجتماعية بين القبائل”.(الأناضول)