فيما يثير النقاد وقدامى الصحفيين الموريتانيين اشكالات كبيرة متعلقة بتهور المحتوى في المؤسسات الصحفية، وفي الوقت الذي تواجه فيه وسائل الإعلام الموريتانية مشاكل حقيقية في صناعة المحتوى في العشرية الثالثة من عمرها تخطوا صحفية مكفوفة خطاها في العاصمة الموريتانية نواكشوط لتصنع لنفسها تجربة خاصة في الإذاعة الحكومية الموريتانية.
يوميا تتواجد الفتاة العشرينية "منت متالي بنت براهيم" التي ولدت عام 1993 عندما كانت مرحلة جديدة في موريتانيا تنطلق وسط صعوبات في أوائل التسعينات من القرن الماضي عندما اطلق الرئيس الموريتاني الاسبق معاوية ولد الطائع عناوين التعددية الديمقراطية في البلاد والتي تشمل من بين أمور اخرى تطوير صحافة وطنية حرة بوصفها احدى ركائز الديمقراطية، لذلك وربما من باب الصدفة، فان عمرها (24 سنة) هو تقريبا عمر "الانطلاقة الفعلية للصحافة الموريتانية الحديثة.
تقدم الصحفية الشابة برنامج "اغاني وأماني" وهو برنامج اسبوعي فني تفاعلي مع الجمهور الذي يحظى باهتمام متزايد من طرف الجمهور، كما تجهز للنسخة الثانية من برنامج يومي رمضاني بعنوان "شخصيات وإسهامات" تلتقي فيه بنخبة موريتانيا الفاعلة من مفكرين ومثقفين لتناقش مواضيع مرتبة بالهوية والأدب والحراك الثقافي والمجتمع المدني في البلاد.
قد يبدو من المثير للإهتمام ان تخوض فتاة مكفوفة غمار الصحافة بكل متاعبها في العاصمة الموريتانية نواكشوط، لكن الفتاة الطموحة كانت بدأت مواجهتها مع الحياة في وقت مبكر، بدراستك القرآن الكريم ثم التحقت بعد ذلك بالمدرسة السنة السادسة من التعليم الأساسي لكنها لم تستطع المشاركة في مسابقة دخول السنة الاولى الاعدادية لذلك التحقت بالتعليم الحر وواصلت فيه حتى حصلت على شهادة ختم الدروس الاعدادية وبعد ذلك شهادة الباكلوريا شعبة الآداب العصرية وتواصل تعليمها العالي في شعبة الاعلام والحضارة بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الاسلامية.
وكانت خلال كل هذه المراحل تقوم بتصوير الدروس لتقوم الأسرة بمساعدتها في المراجعة، فيما بعد وفي الامتحانات يتفرغ احد المراقبين ليقرأ عليها الأسئلة وتملي عليه الأجوبة.
وفي مناخ تدهور فيه التعليم وانتشر فيه الغش من اجل النجاح في مختلف مراحل التعليم يبدوا انه لا نقاش في ان "بنت متالي" حصلت على شهادات تستحقها فوضعها كمكفوفة، وتفرغ أحد المراقبين للاشراف على مشاركها في الامتحان تؤكد انها حصلت على شهاداتها بامتياز.
تقول الفتاة في لقاء مع آفاق: "كنت احب الاعلام منذ الصغر وكانت الصحافة هوايتي الى جانب الموهبة وهي حلم بالنسبة لي، كنت اقوم بتسجيل مقابلات على الأشرطة واقوم بإملاء تقارير ومقالات على صديقاتي وانا في السنة السادسة ابتدائيا، لاحقا اكتشفت ان كل ذلك لم يكن يخضع للمقاييس الفنية الا انه يترجم موهبتي في المجال، وتشبثت بهذا الحلم وسعيت جاهدة لتحقيقه الى ان التحقت بالصحافة عن طريق الاذاعة الوطنية عام 2011".
وتضيف: "وفي فترة التدريب مارست جميع مجالات الصحافة، بعد ذلك تخصصت في البرامج الحوارية الفنية والتفاعلية وحاولت التوفيق بين التلفزيون والاذاعة الا انني لم اجد امامي سوى القنوات الحرة وفعلا كانت لي تجربة معها الا انني لم اجد فيها التقدير ولم احصل فيها على حقوقي كصحفية".
وحول دعم الأسرة لطموحاتها تقول الصحفية التي تحظى بتقدير كبير من زملائها في العمل: "دعم الأسرة رافقني من البداية فعلا كان هناك بعض الصعوبة في تفهمهم لولوجي للمدرسة خاصة بدعوى انها بعيدة وخوفهم الطبيعي علي كفتاة، لكن سرعان ماستجابوا لارادتي ودعموني في كل القرارات التي اتخذتها، فهم سندي الحقيقي وبوجودهم لم اشعر بالحاجة لأي شيئ، وآمنو بطموحاتي فأنا أتسلح بالارادة ودعمهم لأحقق أحلامي.
وحول الصعوبات اليومية التي قد تواجهها صحفية مكفوفة تقول بنت متالي: "كانت هناك في البداية صعوبات في العمل، اذ لم تكن الإدارة آنذاك تثق في قدرتي على تقديم واعداد البرامج المباشرة مثلا والحوارية، الا انني اثبت جدارتي من خلال اذاعة الشباب واختفت تلك العقبات بسبب الثقة والتقدير التي اولتني الادارة واصبحت كغيري امارس عملي بحرية واشارك في الدورات التكوينية التي كان اخرها دورة قدمها إعلاميون من البي بي سي".
وتقول منت متالي ان "أصحاب الإعاقات كانوا يعانون من التهميش على الصعيدين الرسمي والاجتماعي اذ يعتبر المعاق انسان ناقصا لا يستحق التقدير، وسواء منهم من لديه شهادات او من لم يلتحق بالتعليم الا انهم في الفترة الأخيرة شهدو نهوضا ولقوا اهتماما كبيرا من قبل الدولة والمجتمع واكبر دليل هو اكتتاب 100 معاق في الوظيفة العمومية وكذلك قرار رئيس الجمهورية بتخصيص نسبة 5% للمعاقين من جميع مسابقات الاكتتاب للاشخاص المعاقين الذين اصبحو وواعين بحقوقهم وتغيرت العقلية" وتضيف: "الاشخاص المعاقين لا ينقصهم سوى الثقة في انفسهم والتحدي والارادة".
وتعمل "منت متال" مع مجموعة من المكفوفين على تصميم مشروع يعنى برفع قدرات المكفوفين وتطوير مهاراتهم التعليمية خصوصا في مجال التقنيات الحديثة لتسهيل اندماجهم في الحياة النشطة.
وحول ذكرياتها مع العمل تقول الصحفية الشبة: "ذكرياتي مع العمل عديدة فهناك بعض اللقاءات والمواقف مثل السهرات الفنية في الأعياد مع الفنانين وبعض الحوارات مع شخصيات اعلامية كبيرة مع مفكرين وفقهاء، كما ان هناك بعض المواقف الطريفة مع الاصدقاء ككواليس تسجيل بعض الحلقات الى غير ذلك من الذكريات التي تتباين بين الجميل جدا والسيئ. اما فيما يخص اهم الحلقات التي قمت باعدادها فهناك الكثير من الحلقات المهمة جدا فقد استضفت شخصيات وطنية كبيرة في شتى المجالات ومن كل الاعمار وهذا مالخصته في برنامجي الرمضاني الاخير" شخصيات واسهامات" ولذي اقوم الآن ولله الحمد باعداد الجزء الثاني منه وسيلاحظ المتابع للبرنامج ان كل الضيوف هم رموز بارزة ومعروفة وطنيا ولديهم بصمة وطنية لايختلف عليها اثنان.
وفيما تستمر في ويومياتها وكفاحها من اجل المساهمة في بناء المجتمع، فان منت متالي تستحق لقب "المكفوفة" التي تسلط الضوء على نجحات "المبصرين".. والمبصرون بالنسبة لها ليسوا فقط مشاهير المجتمع، لكن من يقدمون رؤيتهم بوضوح حول تنمية هذا البلد، الذي يبدو اليوم بحاجة لسواعد ابنائه اكثر من اي وقت آخر.
آفاق