و بدأت الماكينة القديمة، وخرج المزورون بأساليبهم، وشرع الكذابون في كذبهم على الحاكم، ليكذب هو على الشعب، في ملحمة ألفناها و لم تعد تحرك فينا أي ردة فعل.
منذ الإعلان عن الاستفتاء واللجنة ” المستقلة” للانتخابات تؤجل العملية برمتها، و تمدد لتسجيل اتضح ان لا أحد تحمس له او اهتم به، و بعد كل تمديد يظهر أن الرقم مقلق، مخيف، و مربك، لذا كان لزاما على النظام أن يستعين بالأساليب القديمة، فهذا صاحب “الف بطاقة” يتبجح و يعلنها امام الملأ:
في علبة القفازات بسيارتي الف اسم، و كلهم يتبعون لي و يتلقون الأوامر مني، و قد وجهتم للتسجيل بعد أن كانوا غير مهتمين به، و غير معنيين بالتعديلات المزاجية التي قرر عزيز أن يثبتها قبل ” المغادرة“..
و هذا صاحب المائة و هو موظف بسيط قال إن ولد اجاي أخبرهم بأن التسجيل في الاستفتاء مؤشر “حب” للرئيس، و حب الرئيس -كماهو معلوم لديكم- يورث المال و الرفعة، يضيف ولد اجاي في اجتماع بموظفي وزارته:
من أثبت الولاء للرئيس سنثبته في وظيفته و من علمنا منه ما يخالف ذلك سنبدله بآخرين يحبون الرئيس و يحبهم الرئيس ويثق فيهم..
كلام ولد اجاي ليس فرية او تقولا عليه، فقد التقيت بعض من حضروا الاجتماعات و كلهم قصّ الواقعة بذات التفاصيل.. لاحقا علمت أن جميع الوزراء و كبار الموظفين مارسوا نفس الترهيب على من يتلقون رواتبهم من الخزينة العامة للبلد.. وطبعا لم يتم الحديث عن ترغيب أو منح هبات كماهو الحال في مواسم السياسة، الترغيب الوحيد يكون في عدم الترهيب او الفصل، وربما الضرب، فالموظفون يعتبرون عدم الايذاء منة و كرما من النظام. حملة الساعات الأخيرة للتسجيل كشفت أن نسبة المقاطعة كبيرة و كبيرة جدا، و حتى لا أهب هذا التقاعس لأحد او حزب او توجه اسميه بـ“نسبة عدم الاهتمام“ الى ان يظهر لي انهم مقاطعون عن وعي و موقف و ليس بسبب ايمانهم بعدم اهمية المشاركة، من منطلق أن البركة في المستفيدين المباشرين من النظام الحاكم.
ربما يمدد “حكماء” لجنة الانتخابات “المستقلة” فترة التسجيل مرات أخرى الى أن يعلن المشتغلون بجمع بطاقات الهوية و التعهدات اكتمال عملهم و تسجيلهم للنسبة التي يرى النظام أنها كافية لإقناع العالم بشعبية التعديلات، ففي هذه الحالة ستبدأ نفس الماكينة بالمساومة على جوهر التصويت، كأن يشترط صاحب الألف على ألفه تقديم الأدلة العلمية على ان كل فرد منها صوت بـ“نعم“ لمجمل التعديلات..
في العلن لالبس في نزاهة الاستفتاء، و في الظاهر سيعلن ” الحكماء” أن العملية شفافة من البداية وحتى إعلان النتائج، لكن الأكيد هو أن المواطنين لم يهتموا ولم يتحمسوا لفكرة المشاركة لسبب أو لآخر، والأكيد أيضا أن اللجنة المشرفة ظلت تمدد مرة بعد اخرى حتى تضمن نسبة المشاركة المنشودة، أقول: إنها مددت لهذا الغرض حتى لا اتهم الحكماء بأنهم يمددون لمنح أقاربهم الأعضاء في اللجنة رواتب اضافية لم يكونوا ليحصلوا عليها لو انتهت العملية في وقتها المحدد سلفا..
التمديد إذن في صالح اللجنة و النظام و في صالح الهدوء و سكينة الشارع ،حيث ستتأخر قليلا الحملة و الصخب و التملق العلني أياما اخرى. لكنه أيضا في صالح الوجبة التي يفضل غليُها لأسابيع حتى تنضج و يشبع منها الحكيم و الحكماء و طلبة الحكمة.
لكن هل حقا يكترث عزيز لنا و لمشاركتنا من مقاطعتنا..؟! لا أعرف، فالصورة التي في ذهني عن الرجل هي الصورة التي وزعت على نطاق واسع خلال الأشهر الماضية ويظهر فيها عزيز رافعا الوسطى في وجه شعبه وكأنه يقول: ( ……….).. .
طبعا، لو لم يكن رسميا في لبسه لقلت إنه يغني لأبنائه اغنية ” Daddy Finger” وان الصورة التقطت و هو يتحدث عن أصبع الأخ.. لكن المكان لم يترك مجالا للشك بأن عزيزا لا يهتم ولا يكترث لشعب يمكن أن يحصل على ولاء عامته بسمكٍ من ”ياي بوي“ كلف بتوزيعه انقلابيا سابقا، كان يوما من الأيام يحمل هو الآخر “مشروعا” لتغيير البلد…أما الخاصة من سياسيين فالولاء لديهم جاهز لأنهم يمنحونه عادةً بقدر ما يوضع فيهم من نقود تماما كهاتف الشارع..