لم يستطع ولد عبد العزيز تحمل هزيمة الاستفتاء و فضيحة تقديرات مستشاريه و معاونيه الخاطئة التي أوقعته في ورطة هذا الاستفتاء و تزويره الوقح الذي شهد عليه القاصي و الداني ، المواطن و الأجنبي، المهاجر السري و الدبلوماسي .. لقد أظهر الاستفتاء قيمة ولد عبد العزيز في السوق و أظهرت طريقة التزوير إفلاس عصابته و تدني خبراتها و لن تكون تقديراتها و قراءتها لما سيحدث بعد اليوم أفضل من نتيجة تقديراتها لما حدث في هذا الاستفتاء المخزي بغض النظر عن فشله : لأن المنافقين لا يقولون لولد عبد العزيز إلا ما يحب أن يسمعه ، فهم يمنونه الآن بفوز عظيم إذا ما ترشح لمأمورية ثالثة و يهددونه بالمحاكمة إذا لم يترشح ليستكمل ما بدأه من إنجازات لا تطال يتحدث عنها العالم أجمع ؛ مصنع الطائرات الصغيرة و النهضة التنموية التي تقودها سونمكس و نهضة اسنيم الصناعية و طريق روصو السريع و النقلة النوعية في القارة التي حققتها المنطقة الحرة و التجربة الديمقراطية الفريدة التي تمثلت في نتائج الاستفتاء الذي اعتبر الأكثر نزاهة و شفافية في العالم (…).
لقد اختار ولد عبد العزيز عصابته من الصف الثالث و الرابع من نظام ولد الطائع ؛ شخصيات مائعة، هلامية ، بلا خبرات و لا عمق اجتماعي و لا أخلاق و لا أدنى حد من الإحساس بالمسؤولية، فكانوا مثله قادرين على ارتكاب أي فضيحة و كانوا مثله مستعدين لامتصاص أي صدمة مدفوعة الثمن..
كان ولد عبد العزيز يبحث عن من يقولون له “صدقت يا فخامة الرئيس” .. “أصبت يا فخامة الرئيس” .. “أحسنت يا فخامة الرئيس”، لا إلى من يذكرونه بتدني تعليمه و تخلف عقله و طيش طبعه و خطورة الانحراف في زمنه : كان يبحث عن من يتفهم مريضا نفسيا، لا عن رجال دولة و بناة مجد. فكان له ما أراد : ولد محم خيرة و ولد أجاي و بنت التقي و ولد حد أمين و زيدان و ولد الطيب و بنه ولد الشنوف و الطرطور (…) و الحبل على القارب.
ـ كان ولد الطائع يحكم بالمال فكان للكثيرين نصيب من فساده و عرفت البلاد في زمنه طفرة مالية غير مسبوقة اختلط فيها حابل الفساد بنابل الإفساد و حكم ولد عبد العزيز لأجل المال فلم يكن لغير مقربين منه يعملون لصالحه، نصيب من فساده و عرفت البلاد في زمنه طفرة فقر مدقع غير مسبوقة اختلط فيها حابل الطمع بنابل النفاق .. كان لفساد ولد الطائع محبين يحمونه بدمائهم و أطر أكفاء (وزراء و ولاة و حكام و أمناء عامون و مستشارون …) يتقنون التزوير إذا زوروا و يتقنون الدعاية على أصول البروباغاندا ، استطاعوا أن يحافظوا طيلة حكمه على الشكل (للخارج) و يعبثوا بالمضمون (داخليا) . و لم تستطع عصابة ولد عبد العزيز أن تفرق بين الشكل و المضمون و لم تفهم ما يستطيع العالم السكوت عنه و ما لا يمكن أن يقبله و لم يدرك الغبي أن إدارة عملية الفساد أصعب فنيا من كل عملية إصلاح . و حين ذهب ولد الطائع، اكتشفنا أن عبقريته كانت في أن كل من تركهم على الواجهة (من من يستطيعون الوصول إلى الحكم) ، كانت أفواههم جميعا مليئة بماء الفساد فلم يستطع أي منهم أن يفتح بعده ملف فساد خشية أن تصل ادخنته إليه. و حين يذهب ولد عبد العزيز سترون عمودا في دبره تماما كما حصل مع القذافي و سيكون علمه الملطخ بدماء و حقوق الفقراء مثل الكتاب الأخضر الذي رماه حتى الكنتي و نشيده الملفق من أربعين حنجرة نفاق ، لن يكون سوى شهادة خيانة ، ستظل عارا في تاريخ من ابتدعوه بتوجيهات و توصيات ولد عبد العزيز .. كان ولد الطائع رجل سلطة فاسد حفظ هيبة الدولة و أعطى عطاء الملوك و تحدى كما يتحدى القادة الكبار و كان ولد عبد العزيز قاطع طريق ذليل النفس، صغير الهمة، لا يفهم أي معنى للمجد و لا يدخر أي رصيد لسمعته المشربة بأدران الحضيض. كان الجميع يحتقره و يخجل السفراء من الجلوس إلى جانبه و يسخر من تعثر حظ موريتانيا كل من يقابله..
لقد ابتليت موريتانيا بحكم هذا الحقير و قيض الله له كل مفسديها و عديمي الضمائر فيها ليدمروا ثروتها و يفسدوا أخلاق أهلها و يحتقروا أعزتها و يعبثوا بتاريخها و أمجادها ، لكنه يكفينا للاطمئنان على مستقبل موريتانيا أننا لم نر عزيزا من شعبنا في غابة عزيز و لم نر كريما في جوقته و لم نر نزيها و لا أمينا و لا سويا من شعبنا في طوابير حقارته و لم نسمع عن كاتب منا يناصره و لا شاعر منا يؤلهه و لا عالما منا يجامله : كل من ساعدوا ولد عبد العزيز في تدمير موريتانيا ولدوا شياطين مثله .. كل من يصفقون له لم يكونوا يوما في أرضنا إلا حقراء مثله.. كل من يدافعون عنه ولدوا في العار و عاشوا في العار و سيموتون في العار..
لقد تراكمت طبقات صلبة من الوقاحة و الفساد في هذا البلد كانت تحتاج إلى مثل ما يحدث اليوم ليواجهها الشعب الموريتاني بغضب يقتلع جذورها الضاربة في الأرض: نعم ، كنا بحاجة إلى ولد عبد العزيز لنجد كل المبررات الدينية و الأخلاقية و الوطنية لمحق هذه الأمواج الطفيلية من المتزلفين و المتمصلحين .. نعم ، نعم ، صدق جل من قائل “(…) وعسى أن تكرهوا شيئا و هو خير