حين تقع كارثة في أي بلد من العالم و رئيسه أو ملكه خارج البلد، يقطع زيارته فورا و يعود على جناح السرعة لمواساة مواطنيه و تقديم المساعدات للمتضررين منهم و التعازي لمن فقدوا أعزتهم و فلذات أكبادهم ، و في موريتانيا يتأبط ولد عبد العزيز ذراع تكيبر (الأبيض الدقيق في المطار و الأسود المفتول في الفيديو الأخير!) و ينزل في باريس ، متطفلا على طاولة مستديرة يديرها دكتاتوري مثله ، حول جيش تشاد إلى مرتزقة مأجورة يرمي بها إلى الموت لكل من يدفع له ، تماما كما يفعل ولد عبد العزيز. “إن حضورنا لهذا الحدث الهام، شاهد على الروابط المتعددة والعميقة التي تربط بلدينا الشقيقين، روابط أخوية نسجت عبر التاريخ وعززها التعاون المثالي”. أي حدث هام ؟ و عن أي روابط “متعددة و عميقة” يتكلم ولد عبد العزيز ؟ و أي تاريخ نسج الأخوة الموريتانية التشادية غير تاريخ دكتاتورية و همجية الاثنين؟ و في أي مجال تمثل التعاون المثالي بينهما؟ .
لقد قدمت حكومة ولد عبد العزيز حوالي 21 ألف أورو (سيذهب نصفها إلى القائمين عليها) إلى منكوبي الإعصار في ثلاث ولايات، خلف عشرات الشهداء و الجرحى و شرد مئات الأسر، ، فماذا يمكن أن ينتظر إدريس ديبي منه حين يقول “إنه من واجبنا جميعا تقديم الدعم الحاسم لجهود اتشاد” و منذ متى كان ولد عبد العزيز يتكلم من دون تحرج عن الواجب و الأخلاق؟
كان على ولد عبد العزيز بعد مهزلة الاستفتاء، أن يبحث عن أي جهة خارج موريتانيا لتوليه أي درجة من الاهتمام و يكفيه إفلاسا أن يبحث عنها في تشاد على طاولة عرض تسويق ارتزاق عصابات الدكتاتور إدريس ديبي!
إن “حضوركم” (ولد عبد العزيز و الصرصور احميده ولد اباه و بنت أمحيحم، بطلة حضور العشاء السنوي للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، فبراير الماضي…) شاهد على نذالتكم و ترنحكم و تسكعكم على رصيف المنبوذين دوليا ، ليس إلا.. و الاستقبال المخجل (الهام هو الآخر بكل تأكيد) الذي حظيتم به في المطار شاهد أيضا على “الروابط المتعددة و العميقة التي تربط بلدكم بفرنسا الشقيقة”.. و خطابكم التاريخي “الهام”، لا شك أنه يعكس مكانتكم المرموقة بين الأمم حين تقولون” إنه من واجبنا جميعا تقديم الدعم الحاسم لجهود تشاد، لأن هذا البلد الجميل والكبير يستحق ذلك بجدارة”، لا سيما حين نتذكر أن من عجز عن تقديم الدعم لضحايا العواصف في بلدنا هو من يدعو العالم لتقديم المعونة لـ”هذا البلد الجميل و الكبير الذي يستحق ذلك بجدارة”، ما أنت إلا أضحوكة سخيفة مثل حديثك عن جمال تشاد و عظمة طاغيتها المزعوم، الزعيم حين لا يكون في فرنسا مثلك و الحقير حين تكون في ضيافتها مثله.
لقد رفضت فرنسا دعوة ولد عبد العزيز لمؤتمرها الأورو ـ إفريقي حول الهجرة السرية و رفضت الاستجابة لطلبات إدريس ديبي إتنو. و يحاول الأخير الآن إيجاد مساعدات من خارج الاتحاد الأوروبي و يحاول الأول (عزيز) إخفاء عزلته الدولية من خلال حضور طاولة تشاد المستديرة و ذلك لعمري منتهى الإفلاس و ذروة اليأس و سأزيده هنا بيتا من الشعر كما يقال؛ فقد دعت فرنسا شخصا ـ على الأقل، حسب علمي ـ من المعارضة في الخارج لحضور هذه القمة و اعتذر بسبب التزامات تصادفت مع موعدها. و حين يقول ولد عبد العزيز “تتبنى اتشاد وموريتانيا مقاربات في مجالات الأمن والتنمية أثبتت نجاعتها على الميدان” لا تذهبوا بعيدا في تأويل في ما لا يحتمل التأويل:
ـ ما تريده فرنسا من طغاة إفريقيا الذين توصلهم إلى الحكم و تغض البصر عن جرائمهم من دون الدفاع عنهم (حتى يظلوا طوع إرادتها) هو تنفيذ سياساتها في المنطقة مقابل السكوت عن جرائمهم لا مقابل تمويل تنمية بلدانهم ..
ـ فرنسا ليست ساذجة لتطلب من ولد عبد العزيز الدخول في الحرب على القاعدة و متمردي أزواد ، فالجيش الموريتاني غير مؤهل لخوض معركة واحدة بالأحرى أن يخوض حربا و ولد عبد العزيز ضعيف سياسيا و لن يستطيع الاستمرار في الحكم إذا استمر طويلا في حرب بالوكالة ترفضها المعارضة و لا يتحملها الجيش. إن ما كانت تريده فرنسا من ولد عبد العزيز هو دخول بلد عربي في التشكيلة المحاربة لـ”إرهاب” مطلوب فرنسيا لتبرير سياسة بقاء فرنسا في المنطقة ، من دون أن يظهر أنها حرب إبادة للعرب من قبل جيوش سوداء بقيادة فرنسا. و قد امتثل ولد عبد العزيز لهذه بالكامل الجريمة و انتهت مهمته.
ـ الرئيس التشادي إدريس ديبي مجرم في حق شعبه هو الآخر حيث حول جيشه إلى مرتزقة تحارب مع كل من يدفع لها . و حين بدأ الشارع التشادي يضغط عليه و بدأ التذمر في جيشه لجأ إلى سيدته فرنسا لتقول له بوضوح أنها تقف معه من خلال عدم فضح جرائمه في حق شعبه لا بتمويل مشاريع بلده الذي دمره بنفسه و أدخله في حروب بالوكالة لا ناقة لها فيها و لا جمل ..
و بعد إنشاء (G5) في موريتانيا سنة 2013 و هي تشكيلة خيالية لا تملك لا حتى عنوانا بريديا في نواكشوط ، حاول من خلالها إدريس ديبي و ولد عبد العزيز الضغط على فرنسا لتكون أكثر إنصافا و عرفانا بجميلهما في تنفيذ سياستها التخريبية في المنطقة ، قامت فرنسا، بعد تهميش خلية الإيليزيه: (فرانس ـ آفريك) بتعيين مندوب في الساحل برتبة سفير فقط، لتجعل أعلى رتبة فرنسية تتعامل مع قادة (G5) هي سفير بلا ميزانية و لا صلاحيات و لا نفوذ . و حين هدد ولد عبد العزيز بالخروج من هذه التشكيلة ، بسبب موقف فرنسا من حواره و مهزلة استفتائه ، رفضت مشاركته في القمة الأورو ـ إفريقية حول الهجرة السرية . و حين طالب إدريس ديبي بتقديم مساعدات لبلده و هدد بسحب الجيش التشادي من مناطق محاربة “الإرهاب”، أحالته فرنسا إلى طاولة مستديرة و أوصت المانحين بتقديم تعهدات سخية للرئيس التشادي (وصلت 20 مليار دولار، في ما كانت التوقعات التشادية في حدود ربع هذا المبلغ ) و أوصتهم برمي تعهداتهم لإدريس ديبي بعد انتهاء الطاولة في الزبالة.
أما ما ستحصل عليه مالي و النيجر و بوركينافاسو من المؤتمر الأورو ـ إفريقي، فلا يتم تداوله في العلن و لا ينبغي لموريتانيا و تشاد أن تضطلعا عليه.
و بعدما فهم ولد عبد العزيز أن العالم (باستثناء إدريس ديبي) لم يعد فيه محترم مستعد للجلوس معه على طاولة بعد مهزلة الاستفتاء ، طلب من “نظيره التشادي” أن يدعوه لطاولته المستديرة بحثا عن لقاء مع رئيس الحكومة الفرنسية ايدوارد فيليب الذي حضر افتتاحها (يبدو أنه لم يحصل عليه) ليكلفه برسالة إلى الرئيس الفرنسي يشعره فيها باستعداده إلغاء نتائج الاستفتاء إذا كانت فرنسا ستتدخل للضغط على المعارضة من أجل المشاركة في حوار وطني جديد. و شرط ولد عبد العزيز بضغط فرنسا على المعارضة لحضور حوار جديد نوع من تبرير ما حدث لفرنسا لأن المعارضة لن تجلس معه لا بضغط فرنسا و لا بغيره من دون أن يعلن رسميا أنه خرب كل شيء في البلد و يدعو المعارضة إلى إخراج موريتانيا من وضعها المزري. و هذا لن يحدث : فولد عبد العزيز لا يملك شجاعة الاعتراف و المعارضة لم تعد تملك حق التنازل عن أي من شروط الحوار و فرنسا بدورها لم تعد تقبل ببقاء عزيز لأنها ـ في كل الأحوال ـ لا تريد موريتانيا فاشلة ، تزيد المنطقة تعقيدا.
لقد أصبح الشعب الموريتاني معارضا كله و مستعدا كله لتقديم كل التضحيات و لم يعد أمام المعارضة التقليدية سوى الاستجابة لتطلعاته أو يتم تجاوزها . و ولد عبد العزيز لا يعيش اليوم في عزلة بل لفظته الحياة ، حتى مولاته و عصابته المرتزقة لفظته : لفظته بتصفيقها اللا إرادي يوم إعلان عدم ترشحه و رفضته يوم أحجمت عن التصويت لاستفتائه المرفوض من جميع الشعب الموريتاني .. لقد أصبح كل المقربون من ولد عبد العزيز يبحثون عن طريقة للابتعاد منه حتى ينجوا من ما ينتظر عصابته من عقوبات ستكون حتما بحجم ما ارتكبوه من جرائم في حق هذا الشعب.
لم يعد هناك الآن من تخفى عليه مسرحيات ولد عبد العزيز لمحاولة إظهار أنه لا يعيش في عزلة دوليا و محليا و هي رسالة واضحة إلى من يتكلمون (من الموالاة و المعارضة على السواء) عن مأمورية ثالثة و عن التخليف : عليكم الآن أن تفسروا لنا كيف سيصل ولد عبد العزيز إلى انتخابات 2019 !؟
إن التحكم في توقيف أي نزيف خارجي أمر سهل حتى في الطب الشعبي الغابر لكن النزيف الداخلي يحتاج عمليات دقيقة و معقدة لا سيما أن جراحنا الموهوب ولد مكية يرفض إخراج أمعاء فخامة رئيس الجمهورية . و المسافة التي تفصلنا عن 2019 أطول بكثير من المسافة (المزعومة) بين “أطويله” و المستشفى العسكري..
الأيام الباقية لولد عبد العزيز ستكون مليئة بالترنح و التخبط و التناقض و الطيش تماما مثل رقصة الديك المذبوح .
و كما عجز ولد عبد العزيز عن جر البلاد إلى حرب أهلية بعد عدة سنين من دق الإسفين بين مكوناتها سيكون أكثر عجزا عن جرها إلى حرب مع المغرب : على عصابة ولد عبد العزيز أن تستعد لما ليس منه بد . تلك هي الحلقة الوحيدة المتبقية من هذا المسلسل الدرامي الطويل : هذا ما زرعتم و لن تحصدوا غير ما في سنابله.