إن من يتابع الحياة العامة في موريتانيا عن كثب و يقرأ عن الموارد الطبيعية لهذا البلد المِعطاء ، يجد نفسه أحيَرُ من ضَبٍ في حَمَّارَةِ القَيظ . فالتقارير الإقتصادية عن الثروات الطبيعية و البحرية و الحيوانية و العقود الدولية و مُؤشرات الميزانية الوطنية مع قلّة النّسمة البشرية تجعل من دولة مثل بروناي مجرد دُويلة لا تستحق شرف كتابة إسمها مع دولتنا في لائحة واحدة .
لكن إذا ما وقفنا على أرض الواقع ، تبين لنا بِحق ، أنّ كل ذلك حديث خرافة .. و ليته كان , حتى لا يُلام أحد .
فلا زالت الحمير هي الناقل الأساسي للمياه العذبة حتى في الأحياء التي يظن أهلها بأنهم مٌرفَّهون و لولا الحمير لمات معظم الناس عطشا .. أمَّا سيارات النقل العمومي و التي من فُلكِ نوح (عليه السلام) صفيحها .. و مع هذا فعزّ أن تتيسر في كثير من ساعات النهار و بشكل دوري مستمر بعيدا عن الحافلات و التي كما قيل تَسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه .. أما الشوارع فعِش رجباً ترى عَجبا ( و رجب المعنيُّ هنا هو الشهر الثامن من السنة الميلادية حيث بداية موسم الأمطار ) .. ناهيك عن الجسور أو الإضاءة أو الأرصفة أو الحدائق العامة فذلك من حديث النفس .
الحديث هنا عن العاصمة أما المدن الأخرى ، فكما قال الشاعر
حاشا لِدُرةَ أن تُبنى الخيامُ لها ، و أن تروحَ عليها الإبلُ و الشّاءُ .
و الشيء بالشيء يذكر ، فمن كانت هذه أرضه ، فكيف له أن يُوفّر عملاً أو يُعِين على دراسة فضلا عن بناء مساكن لأصحاب الدخل المعدوم لأنه ليس عندنا أصحاب دخل محدود أو مستشفيات أو عيادات بالمعنى الواقعي على وجه الأرض و إلا لما ذهبنا إلى السنغال أو تونس أو المغرب أو يساهم في تخريج أطباء أو غيرهم من شتى القطاعات الإنتاجية و الخَدَمية .
فهذا بَعيد عن التقارير الإقتصادية حيث الحديث عن الحديد و الذهب و غيرها من الثروات المعدنية و كذلك البترول و الأسماك و الثروة الحيوانية و العقود الدولية و مُؤشرات الميزانية الوطنية بُعد الشمس .. و من لايُؤمن بالحقائق لا تُقنعه البراهين .
كل هذا لم يُلتفت إليه و لم يَجد من يطالب بشيء منه .. و إن حدث فهو من باب شكوى الجريح للغِربان و الرّخَم .
هذا غيض من فيض مما يترآى للمتابع في الداخل .. أما في الخارج ، فقد كان المواطن الموريتاني يتّخذُ من السفارة أو القنصلية صاحبا من بعيد و لا يُكلّمها إلا في موضوع التجديد ( الجواز طبعا ) حيث أنها الجهة الوحيدة المخولة بذلك ، و كان في ذلك ما فيه من التّجهم و التّقطيب و العُبوس و تَعكير الصفو الكثير ، و كأنّهم تواصوا به في غالب البلدان . حتى أنّ الكثير مِنّا يتفادى ذلك بالإتصال بأقاربه أو أصدقائه أو معارفه في الوطن للقيام بتلك المهمة لأن التعامل مع أغلب سفاراتنا و قنصلياتنا هو من باب
فمن اضطُر غيرَ باغٍ ولا عادٍ .. فلا إثمَ في الكتابِ عليهِ
لذا كان حالنا كما قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله .
يمشي الفقيرُ و كل شيءٍ ضِدهُ .. و الناس تقفل دونه أبوابها
كانوا في ذلك الزمن يكتبون على الجواز عبارة إن قنصلياتنا لا تتحمل تكاليف إرجاعنا إلى أرض الوطن و كان علينا أن نعي ذلك ( فالفقر ليس عيبا و العجز كذلك ) .. أما اليوم و بعد صدور المرسوم رقم 032-2012 و الصادر بتاريخ 26 يناير 2012 و المتعلق باللجنة الوطنية للسجل السكاني و الوثائق المؤمنة ، فقد فُرِضَ على السفارات سياسةُ النّأيِ بالنفس و صار لِزاما على المواطن الموريتاني السّفر إلى أرض الوطن و إستخراج الجواز من هناك ثم العودة لتجديده كلما تَحتّمَ ذلك( رغم أن المعلومات قد شُفّرت و تَمّ تَخزينُها في النظام البرمجي للوكالة الوطنية لتسجيل السّكان و الوثائق المؤمنة و يمكن للموظفين الإطلاع عليها بضغطة زِر) أو الذهاب إلى مكاتب اللجنة الوطنية في الدّول التي تتواجد فيها تلك المكاتب و التي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة في العالم أجمع .. أما بقية سفاراتنا في العالم فليس فيها أيُّ مكتب للوثائق المؤمنة!
أبا مُنذرٍ ، أفنيت فاستبق بعضنا .. حَنانيك بعض الشر أهونُ من بعض
أيُّ إنصافٍ و أيُّ رحمة .. ليت الرئيس الموقر يُدرك أننا لم نترك أهالينا و أراضينا حُبا و طَربا .
حتى يجعل من مُجرّد الحصول على جواز سفر مُشكلةً حقيقة بالنسبة لنا!
و إن كان و لابُد .. لم لا تُمدّدُ فترة صلاحية الجواز .. عشر سنوات مثلاً .. مثل كثير من الدُّول منها جنوب أفريقيا مثلا ، فقيمة الجواز هنا 400 راند أي ما يُعادل 10500 أوقية ( أكثر ب 500 أوقية من ربع قيمة الجواز الموريتاني ) و صالح لمدة عشر سنوات و يدخل الكثير من الدول الأوروبية و أمريكا اللاتينية و الآسيوية و حتى نيوزيلاندا بدون تأشيرة و يمكن تجديده و الحصول عليه عن طريق السفارات و بكل سلاسه .
وهناك استفسار ؟ تُرى ما هو تعريف الفقير في مفهوم السيد الرئيس ، و ذلك بناءً على تلقيب نفسه برئيس الفقراء !
فمن يُجبِر الناس على صرف آلاف الدولارات على التذاكر و التنقل و غيرها من المصاريف للحصول على مُجرد جواز سفر ، جدير به أن يُعرّفَ بِمواصفات الفقر و الذي بموجبه لا تتحمل السفارات تكاليف إرجاعنا إلى أرض الوطن .
و الفقير في المصطلح الفقهي هو من يجد بالكاد دون النصف من قوته ، و لذلك قُدّمَ على المسكين بالنسبة للأصناف الثمانية .
فما هو تعريف الفقير في قاموس رئيسنا الموقر !
ثم ما هي مميزات الجواز الموريتاني و هل يستحق كل هذا العناء .. و مالذي يجعل من الجواز الموريتاني مَعْلَما تُشدّ إليه الرّحال !
فمن مُخبر عنّا الرئيس ، بأن المواطن الملاوي ( و الذي تُباعُ الفئران مشوية في مفترقات طُرُق بلاده و ذلك هو الفقر إن كان فقر ) إذا ضاع جوازه أو احتاج إلى تجديد ، يذهب إلى سفارته و يكمل إجراءات التجديد في القسم القنصلي عندهم .. بعدها يحصل على جواز بيومترك و بالمواصفات الدولية .
من مُخبر عنا الرئيس بأن المواطنين الصوماليين و السوريين و اليمنيين كذلك ، يحصلون على جوازاتهم البيومتركيّة عن طريق سفاراتهم .. و نحن و لله الحمدُ و المِنّةِ أحسنُ منهم حالا .
ختاما ، و بما أننا من الجمهورية الإسلامية الموريتانية التي طَوقت مؤلفات علمائِها الآفاق و فيهم الوعاظ و وزراء الشئون الدينية ( الذين يجلسون مع الرئيس في كل إجتماع لمجلس الوزراء ) و أبناء العلماء .. لِمَ لا يتبرع أحدهم و لو من باب حق المسلم على المسلم أن يَذكر للرئيس أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام قال : اللّهُم مَن وَلِيَ مِن أمر أُمّتي شيئا فَشَقّ عليهم فاشقُق عليه ، و مَن وَلِيَ مِن أمر أمتي شيئا فَرَفَقَ بهم فارفُق به .. صحيح مسلم , حديث رقم 1828
فرِفقا بالفقراء , يا رئيسُ الفقراء !
ثُم مَن المستفيد من كل هذا التعنت و هل للمواطنين حقٌ يمكنهم المطالبة به .. أم أنّنا في نظرهم كقول القائل
و يُقضى الأمرٌ حينَ تَغيبُ تَيْمٌ .. و لا يُستأذنون و هم شُهودُ
نرجوا كمواطنين ليس لنا من يوصل مطالبنا حتّى و إن قيل أنّ لنا ممثلاً في البرلمان , لكن يبدو أن البيت السابق ينطبق عليه بحذافيره .. فنرجوا ممن له مروءة أو غيرة وطنية من النواب و رؤساء الأحزاب و الوزراء و أصحاب الإمكانات أن يُوصِل هذه الشكاوي والاقتراحات إلى أصحاب القرار ( و الحديث هنا ليس عن الطّحالب و الفِطريات و التي مفهوم الوطنية عندها هو
إذا الريح مالت .. مال حيث تميلُ .. فهم كما قال المتنبي
من يَهُن يسهلُ الهوانُ عليهِ .. ما لجرح بميتٍ إيلامُ
عسى الله سبحانه وتعالى أن يُلجم أفواههم عنّا بما شاء ، إنه وليُّ ذلك و القادر عليه ) .. ستّ سنوات مضت و كأنّنا ننادي صخرةً حين أعرضت .. فلماذا ؟
تركنا كل شيء و لا نرجوا من الوظائف أو الإمتيازات شيء و لا حتّى ذَودُ الطّيرِ عن شجرٍ ، قد بَلونا المُرّ من ثمرِه ، فقد أغنانا الله سبحانه وتعالى عن الدولة الموريتانية و كل ما يتعلق بالدولة الموريتانية و قد كفانا الله المَؤونَة ، فَلم لا يساعدونَنا على عدم الحاجةِ إليهم و هل يُعادُ إلينا حق تمديد الجوازات بفتح مكاتبٍ للوكالة الوطنية لتسجيل السّكان و الوثائق المؤمنة في جميع بَعثاتنا الدبلوماسية و ليُعبّس المسؤولون بعد ذلك أو يُقطّبوا فقد رضينا من المراكِبِ بالتّعليق و هذا أقلّ القليل ، أم أنّ مسؤولينا قد رَضوا بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم .
نُعيذُهم بالله من ذلك و نرجوا أن لا يكونوا كذلك .
و جزاكم الله خيرا و شكرا جزيلا على تعاونكم وحرصكم على ما فيه النفع للجميع و سدَّد الله خُطاكم .. إنَّه سميع مجيب سبحانه و تعالى .
أخوكم : السيد ولد الشريف محمد أحمد
مواطن موريتاني من جنوب أفريقيا
ملاحظة اخي الكريم رجاء مستقبلا اذا ارسلت موضوع للنشر ارسل صورتك مع النص