قبل اسابيع اختفى يوسف عن جلسة المقهى،في آخر لقاء لنا كنت امازحه، فهو الأخ والصديق،ثم مازحه احد الأقارب كعادته معه حين يستفزه: يوسف تتكلف يوميا لتكون في قلب المدينة،وفي المساء تعود بتكاليف اخرى اوليس الأفضل ان تربح تذكرة الذهاب ولايقلقك البحث عن اخرى للاياب،اجاب كالمعتاد: انا اطارد اموالي التي استولى عليها الساسة..
لاحظت شحوب وجهه، فقلت له: يوسف تحتاج لزيارة الطبيب،فقال انه فعلا مريض وإن الطبيب طمأنه،تعشى في مطعم ترمينيس ورأيته يختفي في ظلام الزقاق،والأكيد لم اكن ادرك انها المرة الأخيرة التي سأرى فيها شابا كنت اراه يوميا تقريبا خلال الثلاثين سنة الماضية.
يوسف فتى سوري من ام موريتانية، وجدة عرفت بطيبتها،فقد كانت سيدة من سيدات الترارزة الفاضلات،فجاء يوسف الأسمر للون جدة اخرى من سكان الضفة الجنوبية لنهر السنغال، واخذ من جدته وامه الموريتانيتين لغتها الجميلة.
عرفنا يوسف يحمل اسفارا يقول إنها تتحدث عن تركة والده المحامي الشهير،هذه التركة التي اثير حولها جدل كبير ومازال يوسف يكتب عنها ويقوم بالتحسيس حولها وإن اعتقد الجميع انها شطحات بهلول او مجذوب.
يوسف رمز من رموز الوفاء للزعيم احمد ولد داداه والتكتل ككل،اذكر انه كان مرة مشاركا في مسيرة نظمت مطالبة باطلاق سراح الأمير الراحل سيد ولد احمد الديد رحمه الله،كان يوسف من بين الجميع يرفع شعارات لاعلاقة لها بالموضوع لكنها الشعارات الوحيدة التي يعرفها يوسف
لا لارتفاع الأسعار
لا لحكم العسكر
معاوية العقيد ارحل عنا..
كانت شعاراته مغايرة لكنها تتماهى مع شخصية الصبي الذي ولد والبلاد تشهد تحولا ديمقراطيا غير نظيف.
كان يوسف يتحدث بالولفية كأي ولفي وبالحسانية كشاب محصري وكان يكتب بعربية لا اعرف متى واين تعلمها،فالشاب بهلول وطبعا لو انه من مجتمعات اعرفها لاعتبر صالحا من الصالحين.
الى اللحظات الأخيرة ظل يوسف وفيا لقناعاته وثوابته،لم يغير ولم يعدل فيها،احمد ولد داده هو الرئيس المناسب لموريتانيا،ودور الراحل احنيني سرقها الساسة..
رحل يوسف عنا والأكيد سيبكيه من عرفوه،اما من لم يعرفوه فلابد انهم يذكرون شابا يذرع مكاتب الأحزاب والصحف والنقابات ويتحدث بكلام يعتقد الكثيرون انه هذيان..يوسف سيترك فراغه،وسوف لن نسمع تلك اللكنة العجيبة وذلك التنظير المنطقي المتسلسل لكن فقط لمن استمعوا وادركوا ان الفتى لم يكن متسولا ولا مجنونا وانما كان احد من قست عليهم الحياة وظلمتهم مع بهارات من مادية الناس وعدم اهتمامهم بالجوهر.
ذهب يوسف عنا تلك الليلة ولم يعد ولابد انه لن يعود،فقد ذهب يوم امس بتذكرة ذهاب فقط،فهناك سيجد كرم الله ومغفرته ورحمته وساعتها لن يفكر في العودة للمقهى الدنيوي البائس..
رحمه الله
انا حزين ياصديقي فهل سأجد صوت ضحكتك وحديثا لك في تسجيلات احد الحاذقين،..من يدري..اتمنى ذلك.
وهنا سأختم بماقاله الرائع منير ولد ايخليه
Mounir Ikhallih
يا ربي ترحمْ يوسف ولّْ
احنيني ذاكْ الفوَّتْ كلّْ
احْياتو ماهُ رافدْ غلّْ
اعلَ حدّْ أُلا يرْفدْ ردّْ
كان افحدْ ألا كان إزلْ
اعل حدْ ألا يظلمْ حدّْ