يمن علينا اليوم ولد عبد العزيز بأنه لن يترشح للانتخابات القادمة كما لو كان له الخيار في ذلك . و لم يلاحظ الجميع أنه قالها بعد ألف محاولة كانت آخرها رحلته الأخيرة إلى فرنسا التي أعلن بعدها بساعات فقط عدم ترشحه لمأمورية ثالثة: يبدو أن ذلك يفوت على الكثيرين.
انتهت الآن مرحلة المحاولات الكاذبة لندخل مرحلة الحسابات الخاطئة :
يقول ولد عبد العزيز إن من حقه أن يترشح في أي انتخابات بعد “الثالثة” (ربما حسب المادة 38 التي غير بها الدستور) و يقول كشفا لنواياه (عن غير قصد) “متى ما سمح لي الدستور بالترشح سأترشح” (Dès que la constitution me permette de me représenter je le ferai ) و معنى “متى ما سمح لي الدستور …” في نوايا ولد عبد العزيز، تحيلنا مباشرة إلى دعمه للرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله و الانقلاب عليه بعد أشهر بكتيبة برلمانية أو عن طريق ميليشياته المسلحة .
و يقول ولد عبد العزيز إنه لن يهرب (و عليكم أن تحسبوا المسافة بين التفكير في الهرب و بين المطالبة الشعبية ببقائه لتحصلوا على نسبة القيمة المضافة للتملق و الكذب) ..
أتفق مع ولد عبد العزيز في أنه لن يهرب لسببين وجيهين : الأول أنه لن يفهم خطأ حساباته إلا بعد فوات الأوان و الثاني أنني لا أعرف أي جهة في هذا الكون الواسع يمكن أن تستقبله غير جماعة القاعدة في المغرب الإسلامي أو تشاد إذا كان مستعدا ليدفع غاليا رسوم إقامته و ربما على طريقة السنوسي..
بذريعة الحرب على الإرهاب التي كان ولد عبد العزيز يتبجح ببطولتها (على خلفية اتفاقية المتاركة مع القاعدة) ، فرض العالم عليه ـ من دون أن يشعر ـ تسليح الجيش الموريتاني للحد من تحكمه في البلد عن طريق بازيب و مليشيات ولد احريطاني و صوغو فارا : الجيش الموريتاني اليوم قادر على سحق هذه المليشيات خلال ساعات ، غصبا عن ولد عبد العزيز و لن يستطيع تجريده من سلاحه بعد اليوم لأن أمورا كثيرة تغيرت بعد صراع داخلي طويل فرض فيه ضباط أوفياء للوطن الحد من التلاعب العابث بمصيره.
ستكون الأشهر القادمة حبلى بالأحداث السارة و لا أعتقد أنه سيكون من الممكن أن تتم الانتخابات الرئاسية في وقتها ؛ فلا هذه اللجنة العبثية قادرة على إدارة انتخابات في غير مسرحية بدائية ساخرة و لا لائحة انتساب الاتحاد من أجل نهب الجمهورية يمكن أن تعتمد كلائحة انتخابية من أي منافس حتى لو كان مسعود أو المنتدى الوطني للديمقراطية و الوحدة ..
ـ إذا رأيتم أهل غدة و أهل ودادي و امربيه ربو و من على شاكلتهم يحملون ما خف وزنه و غلا ثمنه استعدادا للهروب، تأكدوا أن ولد عبد العزيز قرر أن يرشح ولد الغزواني و إلا فأنتم أقل من يفهم ما يحدث في البلد ..
معركة سقوط ولد عبد العزيز تم حسمها قبل عام حين رد السفير الفرنسي على الصحافة بأنه “أصبح من الماضي” . و صحيح أن فرنسا لا تسقط الرؤساء لكنكم هنا أيضا قلبتم الآية، فولد عبد العزيز هو من كان يريد أن تفرضه فرنسا و ليس الشعب الموريتاني هو من كان يطالب فرنسا بخلع ولد عبد العزيز.
هذا الإعلام الرخيص المأجور خلط كل شيء و قلب كل مفهوم و شوه كل حقيقة : لقد ذهبت بلادنا بعيدا بعيدا في الاتجاه الخطأ حتى أصبحنا اليوم بحاجة إلى إعادة التأسيس في كل مجال ؛ التعليم ، الصحة، الثقافة، الاقتصاد (بالنسبة لولد اجاي من الطبيعي جدا أن نمول مشروعا زراعيا من ميزانية التعليم .. طبيعي جدا أن نحول سنيم إلى بنك يقدم القروض للمؤسسات و الأفراد …)
ـ المعركة الآن هي معركة عدم خروج ولد عبد العزيز و زبانيته قبل إعادة ممتلكات البلد : إن ذهاب ولد عبد العزيز و عصابته من دون عقوبة جريمة في حق هذا الوطن المنهوب .. جريمة في حق هذا الشعب البائس .. جريمة في حق إدارة تعيش حالة جمود منذ وصوله إلى الكرسي .. جريمة في حق نخبة البلد التي تم تحييدها ليتسيد ولد أجاي و ولد الشيخ و امربيه ربو و بقية ذباب الولائم من المتملقين، التافهين ، المتفاخرين بالذل و الهوان..
لن أتحدث الآن عن تقديرات و حسابات ولد عبد العزيز الخاطئة ، لكنني أنبه المولعين باستخدام الكليشيهات الجاهزة إلى أن بوتين كان من خيرة نخبة ضباط الكي جي بي (من الواضح أنكم لا تدركون معنى ضابط من نخبة الكي جي بي).. بوتين بطل قومي أنقذ روسيا من مأزق كان يصعب تفاديه .. بوتين محاط بأكبر عقول العالم في السياسة و الاقتصاد و كل مجالات العلوم .. بوتين من شعب ضحى بعشرين مليون نسمة في الحرب العالمية الثانية لا يمكن ركوبه بالأكاذيب و الأباطيل .. بوتين يقود أقوى جيش في العالم : لو خترتم ولد عبد العزيز بين مجد روسيا و دخل حمام شعبي لاختار الأخير “من دون تفكير طبعا” ، فأين ولد عبد العزيز مما تتحدثون عنه؟ لقد أسأتم إلى تاريخكم و أمجادكم و كرامتكم فلا تسيئوا إلى تاريخ و أمجاد الآخرين.