إسطنبول-“وكالات”:
أعادت سلسلة من التحقيقات والتسريبات والكتب والتصريحات قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول إلى الواجهة مجدداً، مضيقةً الحصار من جديد حول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كمتهم مباشرة في الجريمة التي هزت العالم.
وبينما أعلنت المقررة الأممية النتائج الأولية لتحقيقاتها في القضية موجهة أسهمها نحو “بن سلمان”، كشفت صحيفة نيويورك تايمز تسريبات جديدة تؤكد إشراف ولي العهد على خطط قديمة للتخلص من خاشقجي، بالتزامن مع تصعيد أنقرة لانتقاداتها للرياض بمواصلة محاولاتها للتغطية على الجريمة مع الكشف عن عقد جلسة محاكمة سرية للمتهمين.
الصحيفة الأمريكية كشفت عن أن بن سلمان تحدث عن استخدام “رصاصة” ضد جمال خاشقجي في حال لم يوقف انتقاداته للرياض، موضحة أن ولي العهد قال في مكالمة هاتفية رصدتها الاستخبارات الأمريكية عام ٢٠١٧ مع تركي الدخيل إنه سيلاحق خاشقجي “برصاصة” إذا لم يعد الصحافي إلى السعودية من الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية فهمت أن بن سلمان كان مستعدا لقتل الصحافي رغم أنه لربما لم يقصد إطلاق النار عليه حرفيا.
من جهتها، أكدت أغنيس كالامارد المقررة الخاصة للأمم المتحدة حول عمليات الاعدام من دون محاكمة أنها تملك “أدلة” تظهر أن “جريمة” قتل خاشقجي “جريمة وحشية متعمدة قام ممثلون لدولة المملكة العربية السعودية بالتخطيط لها وتنفيذها”، مؤكدة على أن “الجريمة متعمدة وتشكل الانتهاك الاخطر للحق في الحياة، وهو الحق الأساسي للجميع”.
وخلال زيارتها التي استمرت أسبوعاً إلى تركيا، التقت كالامارد بوزيري العدل والخارجية في تركيا إلى جانب مسؤولين من الأمن والاستخبارات ومدعي عام إسطنبول، وياسين أقطاي وتوران كيشلاكتشي المقربان من خاشقجي، إلى جانب خطيبته خديجة جنكيز، كما استمعت لتسجيلات الجريمة، فيما فشلت في دخول القنصلية السعودية في إسطنبول نتيجة رفض الجانب السعودي لطلبها بدخول المبنى الذي شهد جريمة قتل وتقطيع خاشقجي.
في سياق متصل، كشفت كالامارد عن عقد السعودية جلسة ثانية لمحاكمة المتهمين في مقتل خاشقجي، في 31 يناير/ كانون الثاني الماضي، بعيدا عن الإعلام، مشيرة إلى أنه “لا يوجد اهتمام عام كاف بالجلسات”، وعليه لم تكن وسائل الإعلام متواجدة في جلسات الاستماع.
وصعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام من خطابه اتجاه السعودية عندما اتهم بن سلمان بشكل مباشر بـ “الكذب” في قضية خاشقجي، وهو ما ولد ردود سعودية غاضبة تحولت إلى هجوم على تركيا وأردوغان عبر “تويتر” شارك فيه شخصيات سياسية سعودية.
والجمعة، قال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، إنه يجب على السلطات السعودية تسليم تركيا قتلة خاشقجي كدليل على رغبتهم في خدمة العدالة، وأضاف في تصريح لوكالة رويترز: “بالأساس فإن الحقائق المتعلقة بالحادثة واضحة وجلية، فقد قتل بدم بارد على يد مجموعة موظفين سعوديين داخل قنصلية بلاده بإسطنبول، وقطع جسده مباشرة إلى أجزاء عبر آلة خاصة، فهذا أمر مخطط له سابقا، وحادث وحشي، وجريمة ضد الإنسانية وخيانة للمثل العليا للعالم الحر والنظام الدولي”.
وأضاف ألتون: “حتى الآن لم يتم الكشف عن مكان جثة خاشقجي أو المحرض على الجريمة أو المتعاون المحلي الذي أخفى الجثة، وبنفس الشكل فلا يزال الغموض مستمر بخصوص توجيه النائب السعودي أي تهم للمتهمين من عدمه، أو هل تم الإفراج عنهم، أو حبسهم من عدمه، أو عرضهم على المحكمة أم لا”.
وبعد أيام من إصدار وكالة الأناضول التركية كتاباً يتضمن تفاصيل جرمة قتل خاشقجي بثلاث لغات، أصدرت خديجة جنكيز خطيبة خاشقجي كتاباً آخراً يتحدث عن تفاصيل الجريمة، وهو ما ساهم في أعادة القضية لصدارة وسائل الإعلام والنقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي.
والجمعة، انتهت المهلة التي حددها الكونغرس للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتحديد ومعاقبة المسؤولين عن الجريمة، فيما قدمت مجموعة من أعضاء مجلس الشّيوخ، من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، مشروع قانون يمنع بعض مبيعات الأسلحة للسعوديّة بما في ذلك دبّابات ومقاتلات بعيدة المدى وذخيرة للأسلحة الآلية. ويشمل مشروع القانون كذلك فرض عقوبات على أيّ شخص سعودي متورّط في قتل خاشقجي ويطالب وزارة الخارجية بتقديم تقارير عن وضع حقوق الإنسان في المملكة وبشأن حربها في اليمن.
ويحظى مشروع القانون هذا بدعم من كبار الجمهوريّين، بمن فيهم السيناتور ليندسي غراهام، وهو عادةً حليف قريب من ترامب. وقال غراهام “في حين أنّ السعوديّة حليف استراتيجي، فإنّ سلوك وليّ العهد أظهر -بطرق متعدّدة -عدم احترامٍ للعلاقة (بين البلدين) وجعل منه (شخصية) أكثر من سامّة”.
وفي بيان مشترك رافقه تجمع احتجاجي خارج البيت الأبيض، حثت ست مجموعات حقوقية، بينها “هيومن رايتس ووتش” وصحافيون بلا حدود ولجنة حماية الصحافيين، ترامب على نشر السجلات التي بحوزة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) بشأن مقتل خاشقجي ودعم إجراء تحقيق مستقل في القضية والضغط على السعوديين للإفراج عن الصحافيين والناشطين المعتقلين. وجاء في البيان “تبدو إدارة ترامب منخرطة في التستر على الحكومة السعودية”.