
لقد رحل عن هذه الدنيا منذ خمسة أيام طويلة ولكنه بقي الى جانبي حاضرا بصور أكبر من السابق. ان حضوره مازال ويحرمني من التركيز بشكل متقطع ودائم.
تعود لي صورة ذلك الوجه "ال تُراد"" الوجه املائكي كما يقول ا لس تاذ اعل ولد ببوط قمر "اللون فأ رى من جديد تلك اللحية الفضية املضيئة و أسمع ذلك الصوت المخملي الذ" تشكل بفعل القراءة املس تمرة وال ترتيل الدائم للقرأ ن الكرم.
ثم تعود الي تلك الصورة تلك الابتسامة املرحة واملشرقة بوميض أزلي يشع نورا يدهش ا لرواح ا لبائسة بالفرح والقلوب و كنه يبشر بط ل يتساقط قطرة قطرة دون توقف؛ أهو " أ ر د ان" بلغتنا الحسانية الذ" يسقي أعماق ا لرض ويحييها دون رعود ولا عواصف. انها الرحمة التي تسقي العقول اليائسة واملتعطشة الى بصيص أمل.
ثم تعود الى مخيلتي تلك الصورة املتكاملة دفعة واحدة ثم تتائشى من جديد من أمام نظر" بشكل مفاجئ قطعة قطعة وتعود. والجميع لاينقطع عن مهاجمة ذاكرتي وفرض ن فسه عليها. تلك العمامة البيضاء المحيطة بالر أس املرفوع دائما ليست الا تاجا على ر أس ملك ا لطهارة والنقاء باملعني الحرفي واملالي بالتواضع وخفض الجناح.
والخيال الذ" يتراءى من بعيد في اللباس التقليد" والنظيف دائما وا لبيض الناصع دائما يُ بر بوجود مسجد بالقرب أو بوقت من أوقات الصائة أو بشخص يحتاج طعاما أو مريض يطلب عائجا أو قريب أو صديق ا نتبه املرحوم الى مواساته..
انه - رحمه الله - كان في براءة الطفل الذ" لم يعرف الا حب أمه، أو سماحة ولطف عبد صالح قضى حياته طلبا ملرضاة الله عز وجل وا لاحسان الى خلق الله تعالى.
ان هذه املائحظات واملشاعر يحس بها كل نسان عند أول لقاء مع ذلك الرجل، محمد محمود ولد أحمد لولي.
انها مشاعر تنبع من املظهر لكنها في الحقيقة انعكاس لشخصية فريدة ت تمتع بقوى نفس ية وروحية عميقة لايدرك كُنهها الا الخالق س بحانه وتعالى.
أما نحن، فائ نرى الا التجليات الظاهرة للعيان، ولا نفهم الا املظاهر الخارجية مثل ت صفات هذه الشخصية و أعمالها الجليلة. وبتلك املقاييس والاعتبارات، يبقى محمد محمود وبد أحمد لولي رجائ من طراز وحيد لامثيل له بيننا فوق كل شيء ومتفوقا على الجميع..
ان ذكاءه الخارق مكنه من تجاوز أقسام في الثانوية قبل أن يلتحق بمدرسة ا لابداع الفرنسي، املدرسة ا لعرق في فرنسا، التي تكون أفضل ضباط بلد الجنرال ديكول.
فالشجاعة الكاملة هي " لوُ ل ية" عندما قام محمد محمود ولد أحمد لولي - وهو املسير وا ملشرف ورجل املبادرات وا لادارة - با جبار القيادة العامة للجيش على قب ول قراره الشجاع بتعريض جسده ملشاق العيش في الصحراء و أن يحيى حياة التقشف والحرمان واملصاعب بل و أن يعرض حياته للخطر دفاعا عن الوطن بين الجنود والضباط على كل الجبهات..
ولقد أصيب بجروح بليغة أثناء انقاذه حياة جند" جريح في ساحة القتال من نيران العدو، حيث أصيب بعدة أع يرة رشاش كثيفة ولم يكن معه أ" سائح.
وعندما أصبح رئيسا للدولة لم يس تطع – املوريتاني ا لول صاحب الروح الصافية والعقل املتنور - أن يتابع قيادة الدولة في ظل نظام لايمكنه تحقيق ا لهداف بالشكل املرجو بسبب نقص النجاعة والفعالية في أغلب ا لحيان.
وبما أنه في حياته لم يعرف الا المجد والنجاح و أعمال البر، فقد كانت لديه حساس ية من الذنوب والهفوات وخشي التقصير في حق الله والعباد، ففضل الانسحاب حبا وكرامة بهدوء اجائلا لربه عز وجل وحبا لشعبه ووطنه، و أصبح "حمامة مسجد" وتفرغ لبناء عائقة وطيدة مع ربه ومع اخوته في البشرية عموما والوطن خصوصا.
اننا نفخر بك ونعتز بك يا محمد محمود ولد أحمد لولي.
2
الوطن الكبير موريتانيا يفخر بك كذلك.
وستبقى الى ا لبد مصدر الهام ومثالا يحتذى.
وس نظل نكن لك احتراما عميقا.
ما أكثر املفاخر والقم الخالدة املرتبطة بمحمد محمود ولد احمد لولي والتي هي وسام شرف على جبين القص رئاسي رغم أن صاحبها لا يولي لها أ" اهتمام ويمر عليها مرور الكرام، لنه لم يكن يريد علوا في ا لرض ولا فسادا ولا امتيازات ولا تشريفات...
لقد ترك ت الرئاسة فرحا مسرورا بتلك املغادرة، ولكنك اليوم تغادرنا نحن جميعا وتر كتنا في ألم وحزن عميقين، ويطول الحداد على فراقك س نوات وس نوات... لكننا لن ننساك أبدا..
أتقدم بالتعاز" القلبية الى الجمهورية، و الى الشرف، و الى ا لاخاء والعدل، و الى زمائئه في الجيش الوطني، رفاق السائح و الى ذويه و الى زمائئه في الدراسة و الى عائلته الكريمة.
و انا لله و انا اليه راجعون.
ذ/محمد ولد محمد الحسن