كان منع المجرم ولد عبد العزيز من مأمورية ثالثة ، معركة صعبة ، يجهل الكثيرون ما كلفت من ضغوط دولية تم تحريكها بفضل جهود رجال موريتانيين ، بذلوا الغالي و النفيس من أجل منعها و أداروا اللعبة بمهارات عالية من قلب دوائر النفوذ الغربية ..
كانت معركة صعبة، لم يصدق الغبي ولد حدمين و ولد محم خيرة و وزير المخدرات ولد داداه و وزير الإعلام و الأخطاء الإملائية ولد الشيخ و الحقير ولد أجاي ـ الذين كانوا يكررون "واهمين" أن "من يعتقد أن ولد عبد العزيز سيخرج من الحكم واهم" ـ لم يصدقوا حتى آخر لحظة استحالة ترشحه لمأمورية ثالثة ، حين سقطت على رؤوسهم كالصاعقة في بيان (من الإمارات) ما زال لغزه يحير الجميع..
كان منع ولد عبد العزيز من الترشح انتصارا ، قليلون من يدركون قيمته و أقل منهم من يدركون صعوبته و ما كلفت من مهارات و تضحيات..
بعد سقوط ولد عبد العزيز المدوي ، بادر إلى مغادرة البلد ليفهم ما يحدث في الخارج و لم يفهم حتى الآن سوى أنه لن يخرج دائرة الخطر حتى يموت و لن يستقر في مكان من العالم إلا ولاحقته هتافات المتظاهرين و فضائح إجرامه و قضايا المحاكم ..
و بعد جلوس ولد الغزواني على كرسي الحكم في زفة أقرب إلى الجنائزية ، أدرك بعد استفساره عن أحوال أهم دعائم الدولة، ما كنا نصرخ به طيلة السنين الماضية من جرائم ، كان الجميع يصفنا فيها بالمبالغين، الحاسدين ، الحاقدين ..
حين اضطلع ولد الغزواني بنفسه على ما ألحق ولد عبد العزيز من دمار و خراب بأركان الدولة بكامل ملحقاتها ، لم يصدق ..!
و منذ وصوله الحكم تسلمه دهشة لأخرى مع وصول أي تقرير جديد عن أي من إدارات الدولة الخاوية على عروشها..
و لم تكن هذه المؤسسات في حالة إفلاس فقط و إنما زيادة على ذلك ، تم تدمير أرشيفها بالكامل لمحو آثار النهب و تم إخلاؤها من كل الكفاءات . و من قمتها إلى البواب تديرها بقايا من أعوانه الجهلة ، المتباكين بتحسر على مغادرته الحكم ..
كان استلام جثة موريتانيا يحيل إلى شماتة أعداء مثلوا بجثمان ضحيتهم بكل حقد و كراهية.. كان صدمة قاسية لإنسان عاش في قلب نظام عزيز، لم يتخيل يوما أن الأمور وصلت إلى هذا الحد..
هنا أدرك غزواني خطورة الأمر و مخاطر اللعبة :
ـ الإدارة المركزية أقرب إلى بقايا كارثة طبيعية ، خاوية على عروشها ، تحتل ممراتها الآمنة قطط سمان ، تعيش على دم البشر بأقل قدر من إحساس أو مسؤولية..
ـ سقف المديونية مرسوم بالشمع الأحمر على بوابة موصدة، تحيل إلى مشاهد الرعب في أفلام الخيال العلمي..
ـ و دعاية العصابة تحيل بفخر و امتنان إلى سويسرا جديدة ، أنشأها عزيز من عدم..
كان الموقف محرجا و مخجلا و مؤلما و كانت المخاطر جمة أقرب إلى ساحة الغام بلا خارطة..
كان ولد عبد العزيز ـ بعد اليأس من قبول ترشحه ـ قد اختار ولد باي لخلافته ضمن لائحة قصيرة من البدائل الاحتمالية، لم يكن ولد الغزواني من ضمنها بسبب الرفض البات لذويه (أهل غدة ، أهل ودادي ...) لكن الضغوط الأمريكية والفرنسية عن طريق السعودية و الإمارات (التي تحتجز ثروة هائلة من منهوباته)، أرضخته لاختيار غزواني بوعود ، لا بد أنه أدرك الآن أنها كانت أكذب و أمكر و أذكى من كل حيله..
هذا التحول المفاجئ الذي أخذ منه عدة أسفار متتالية و غير مبررة أو غير مفهومة، إلى السعودية و الإمارات (التي صدر خلالها البيان اللغز) ، جعل تأبط نهبا يتحول مربكا إلى الخطة ب : ترشيح غزواني و العمل فورا على استبداله في انتخابات سابقة لأوانها .
و تم تحديد خارطة المخطط الإجرامي و مراحله بدقة على الفور :
ـ نهب ما بقي في البلد بطريقة مباشرة أي سحب كل ما في الخزائن بأوامر غير مكتوبة صادرة من ولد عبد العزيز إلى أتباعه المتحكمين في كل شيء و المحكومين في ولائهم بأوامر شفهية : أي أن يكون بقاء عزيز هو الضمان الوحيد لحمايتهم ..
ـ تعبئة مغارة علي بابا (UPR) و ملحقات مجرته من أحزاب الشنطة و صحافة الشنطة و مبادرات الشنطة و شبيحة الشنطة، على الاستعداد لرفع عقيرتهم عند الساعة صفر بذريعة عجز الرئيس عن قيادة الدولة (سيناريو سيدي بالضبط مع اختلاف الظروف بسقوط عبقرية الفوضى الخلاقة)..
ـ تكليف برلمان شبيكو بتأطير ولد محم خيرة ، بسحب الثقة و مشاغلة الشارع ..
ـ الاعتماد على مليشيات مسلحة في الجيش و الأمن و خارجهما تدين بالولاء لعزيز و تأتمر بأوامره لكنها لن تستطيع الظهور ـ كقوة مأجورة و خارجة على القانون ـ إلا بظهور كاسح لولد عبد العزيز على الساحة السياسية. و هذا ما فشلوا حتى الساعة في تحقيقه لأنهم أهملوا في هذا المخطط الجهنمي أهم جانب لم يضعوه في الحسبان و هو أن هناك شعب تحت ركام رماده الجمر، لم يعد يقبل عودة عزيز إلا إلى السجن.
نعم لقد كان شعبنا ـ لمن يقرأ الساحة بفطنة و ذكاء ـ على مستوى هذا الرهان المصيري؟
إن ما تتطلبه هبة شعبنا اليوم و بكل وضوح هو أن يفهم الجميع أن تسامحنا بالأمس لم يكن جبنا و تفرسنا اليوم لن يكون طيشا.
لقد أصر شعبنا بصبر منقطع النظير ، على الخروج من كارثة ولد عبد العزيز و عصابته الحاقدة من دون أن تسيل قطرة دم : هذا الصبر هو قوتنا و هذا الجبن هو مفخرتنا (و أكتشف هنا بالصدفة ـ وفاء للصدق ـ أن هذا الصبر و الجبن الذي نفتخر به هو ما نعير به غزواني، فليعذرنا في ذلك : لم نعد نتحمل)
و اليوم نجد أنفسنا أمام خيارات أصعب و مخاطر أكثر :
ـ أن يعود ولد عبد العزيز و عصابته بقوة إلى الساحة في طريقهم إلى استعادة الحكم ..
ـ أن نحمي بلدنا بالقوة و الاتحاد و رفض عودة المجرم و عصابته إلا بما يستحقون من احتقار و مذلة للاحتفاء بمصيرهم المحتوم : هذا الاختيار يتطلب كسر جناح مغارة علي بابا (UPR) و حل البرلمان و حجز ممتلكات و جوازات كل قادة العصابة و الاستعداد لاستقبال ولد عبد العزيز بما يحوله (الاستقبال) إلى ساعة صفر التغيير المنشود..
لا شك أن الخيار الأخير يتطلب استعدادا و تواطؤا و قرارات شجاعة من ولد الغزواني الذي ما زال (لأسبابه الخاصة و إكراهات الواقع الكثيرة حسب ما يدعون)، يفضل إدارة الحكم بصمت و ريبة يصفونها بالحكمة و نتجاوزها بالحكمة ، معتبرين أهم ما يتطلبه هذا الخيار هو أن ننطلق من أن خطأ هذا الفهم لا يغير من الأمر شيئا : إذا كان غزواني مستعدا للمساهمة في إنقاذ البلد فمرحبا به و إذا لم يكن مستعدا فليس هناك ما نخسره..
و هنا أيضا و أيضا يكون من اللازم و من الحكمة ، أن نفهم أن هذا الواقع يتطلب من الجميع تجاوز الشكليات و الابتعاد عن المثاليات : هناك اليوم من يريدون إعادة احتلال موريتانيا و هناك من يريدون إنقاذها و ضفاف الخط الفاصل هي اليوم الفيصل الوحيد من دون تجريم بالقرابة و لا تشكيك انطلاقا من ماض قليلون منا من لا يدينهم بقدر أو بغدر ..
يبقى أن أشير إلى أن هذه ليست خارطة طريق عملياتية لمواجهة ولد عبد العزيز و أجندته الشيطانية بل هي مجرد مقدمة لفهم الواقع و دعوة للتحرك قبل فوات الأوان : هذا وطننا و من واجبنا أن نحرره من دون أن نخاف عزيز أو نتوسل غيره
لا حاجة لموريتانيا في أبناء لا يضحون من أجلها
و لا حاجة لنا في وطن منة من عزيز أو ذليل