لو لم يكن ولد عبد العزيز غبياً، أكل الجهل من مادته الرمادية لقمته الأولى، و تغذّى الصلف و الغرور على مشاعره الهواء، لأدرك أن لا منّة له على ولد الغزواني حتى يرضى منه الإهانة و الاحتقار، و لرأى أن “صداقة الرئيس” في بلد ليس فيه من الديمقراطية غير اسمها لا وسمها، أضمن لأن يعيش هانئاً بمسروقاته، لا يطار غرابه، و لا يرضيه من غنيمة الحكم إيابه.
من حسن حظ ولد عبد العزيز أنه رغم تجاوزه الأخير في “حق رئيس دولة”، و تطاوله على شخصه، فإن الأخير لا يزال يخلع عليه سوابغ امتيازات غير مستحقة، فيوصي باحترامه و عدم الإساءة له، و مراعاة أدب معه لم يراعه يوماً، في حق الوطن، و لا في جانب رموزه.
ينبغي أن يدرك ولد الغزواني أنه يوجه تصرفاته لعموم الشعب الموريتاني، و أن عليه أن يأخذ في الاعتبار كل التحليلات و الفهوم، من مختلف المستويات و المشارب و المدارك. فإذا كان هنالك من سيرى في الأمر تسامحاً و حلماً و سعة صدر تليق بالنبلاء، فإن هنالك من سيرون في الأمر ضعفاً و انكساراً، و مقتضى التجربة أنه: من لانَ عُصِرَ، و من صلُب كُسِر.. و الحَزامة في الشدّة عند اقتضائها.. و التكبر على المتكبرين عبادة. و هنالك من سيرى أنه لولا أن بحوزة ولد عبد العزيز ما ترتعد له فرائص ولد الغزواني لما كان أجرأ في تحديه من خاصي الأسد، و لما أغمض غزواني طرفه على قذاه.. فمتى اقتحم الثعالب أخياسَ الأسود؟!
ليس على ولد الغزواني و أنصاره خلع حلل الإطراء و المدح المجاني على ولد عبد العزيز، بعد تحدّيه له و إهانته إياه في خطابه لدي حزب الاتحاد من أجل الجمهورية. فربما سيأتي يوم يستعر فيه وطيس المواجهة بينهما، فتكون حاجتهم حينها في تعبئة الرأي العام على مساوئه، مصطدمة بالمأثور عنهم من تزكيته و الإشادة به.
صدق المتنبي:
فوضع الندى في موضع السيف بالعلى
مضرٌّ، كوضع السيف في موضع الندى
لو أوتي ولد عبد العزيز مقدار حبة خردل من حكمة، لما كابر الأيام، و لعلمته الحياة أنها لم ترفع ما لا تضع، و أن يد الدهر خرقاء لا تجدّ كما تُبلي. و أنه لن يجد أفضل له من أن يستظل أفياء دوحة صديقه و رفيق انقلاباته، يفترش تحتها وطاء، و يتدثر غطاء، و ينعم بما سرقه من خيرات هذه البلاد و ثروات هؤلاء العباد، فلا يجاذب صاحبة أعنة الحكم، و لا أرسان السياسة. غير أنه أبي إلا جماحاً و تطاولاً، و ظن أن لجنةّ كان قد عيّنها لتسيير حزب “تجمع النفعيين و الانتهازيين”، و كتبية برلمانية من 13 داه صهيب، و تلفزيونات خاصة، وزع رخصها على أبناء عمومته، فلم يزيدوا في انحيازهم المحتشم له على إعادة بث مقابلات قديمة للخليل ولد الطيب يشدو فيها بمآثر ولد عبد العزيز، و تجاهل موقف النواب من تصريحات عزيز. مقانبُ يمكنها أن تغير بياتاً على ثغور النظام القائم فتقوّض أركانه..
هيهات.!.. يضرب في حديد بارد.!
لقد برهن ولد الغزواني على “معنى العهد” بحلمه عن الرجل الذي لم يعرف الوفاء، و لكن ألا يجب أن يكون وفاءه بعهد ربه و وطنه أولى؟!.. ثم أن الوفاء ككل القيم و الأخلاق السمحة إن زادت على حدها انقلبت لضدها، فالمبالغة في الكرم إسراف، و التجاوز في الشجاعة تهور، و الإفراط في الحلم ميوعة.. و ما زاد من الوفاء بعهد من يهينك و يمشي الضّرَاءَ للوقيعة بك و بوطنك لا يمكن اعتباره محمدةً إطلاقاً.
ليس على ولد الغزواني إلا أن يتوقف عن تثمين العشرية المنصرمة، و أن يرفع حمايته عن ولد عبد العزيز، و أن لا يعامله بأكثر مما يُعامَل به “رئيس سابق”، و ليقص قوادمه و خوافيه حتى لا يجد ما يدفعه منها للتحليق ثانية… فما طار طيرٌ و ارتفع إلا كما طار وقع.!
حفظ الله موريتانيا.