بين أكاذيب عزيز و تهربه من الأسئلة و حرمانه لصحافة تنتظر منذ الساعة السابعة من طرح أسئلتها ، ضيع الشعب الموريتاني عدة ساعات من وقته في انتظار مقابلة ، لم يفهم أي أحد ماذا أراد ولد عبد العزيز بها و لا لماذا أصر "إلى هذا الحد" على القيام بها من دون أن يأتي بأي جديد فيها.!
قال عزيز إن المؤتمر مخصص لقضية الحزب و كل ما قاله هو حديث معاد للمرة العرشين و هو ما يكرر منذ مجيئه من دون أي إضافة جديدة:
"رئيس الدولة لا يمكن أن يترأس حزبا" .. "قضية المرجعية لا معنى لها" .. "رئيس الجزب ها هو (ولد محمد خونة) و نائب رئيسه ها هو (بيجل) .. و البقية ذهب بها "الآخرون"
ـ لا يفرق عزيز بين رئاسة الحزب و رئاسة لجنة مؤقتة لتسييره (قال ولد محم خيره أن تعيينها لم يكن شرعيا)
ـ يتحدث عزيز عن عدم قانونية ما حدث و ينسى أن مؤتمر الحزب الذي لا يريد اللجوء إليه ، هو الفيصل الأوحد .
ـ يتكلم عن اللجوء إلى القضاء ناسيا أنه هو من عرقل مؤتمر الحزب لكي يعود و يترأسه و هو بمراوغاته من جعله في هذه الوضعية الفوضوية و ناسيا أو جاهلا بأن القضاء لا كلمة له في الحزب إذا نظم مؤتمره و اختار مكتبه التنفيذي طبقا لنصوصه الداخلية.
ربما كان عزيز يريد الحديث عن أمور ، رأى ـ بعد ما اعتبرها مضايقات من النظام ـ أن الحديث عنها قد لا يخدمه، فجعل من قضية الحزب شماعة ردد فيها الاسطوانة المشروخة التي يكرر منذ عوته المشؤومة.
و قال عزيز إن لديه ثروة كبيرة لكنها ليست من المال العام. فمن أين يمكن أن تأتي ثروة عزيز إذا لم تكن من المال العام؟
للرد على هذا السؤال ، نحتاج عودة إلى ما يمكن أن تكون أسبابا لثرائه الفاحش :
ـ صناديق كومبا با المتهم فيها بتزوير العملات الصعب
ـ اتهام النائب الفرنسي مامير له برعاية المخدرات في المنطقة
ـ ثمن السنوسي الذي يعتبره عزيز صيدا خاصا به لا دخل لأحد به
ـ أموال القذافي التي أرسلها في طائرة أو اثنتين لاكتتاب مرتزقة من منطقة أزواد السائبة لمواجهة الغزاة.
ـ و في الأخير رشاوى الشركات الأجنبية مقابل عقود على مزاجهم لنهب الثروات الموريتانية.
فأي هذه يفضل على نهب المال العام؟
و يبدو أن عزيز الذي اعتمد الأوامر الشفهية لنهب الثروة الوطنية ، نسي كيف سيرد إذا أصبح السؤال من أين لك هذا؟
ـ ما قاله عزيز عن الاتفاقية مع هون دونغ صحيح : الاتفاقية كانت جيدة أو مقبولة على الأقل و تم تمريرها عن طريق البرلمان و مجلس الشيوخ . و هذا هو كذب ولد عبد العزيز و مكره المرتب من البداية :
ـ الاتفاقية التي أبرمت مع هون دونغ كانت مجرد غطاء لعملية نهب مفتوحة بالاتفاق مع الصينيين و كانت العيوب في تجاوزها (عمليا) و في ملحقاتها . أما مرورها على البرلمان و مجلس الشيوخ فهو جريمة عزيز الأكبر و الأخطر ، حيث يفرض بالتزوير و الرشوة و النفاق برلمانا غير مسؤول لا يعصي له أمرا ليحمله مسؤولية جرائمه في النهاية و لا شك أنكم تتذكرون أن ولد محم خيره نجح في شوط ثالث. و المرة الوحيدة التي عصا فيها مجلس الشيوخ أمره، قام بحله.
كذب ولد عبد العزيز يظهر جليا و بشكل مضحك ، من خلال ادعائه اليوم بأنه لا يريد سوى ترسيخ الديمقراطية و مصلحة البلد، فأي عبيط أنت؟
أي بهلواني أنت حين تتحدث عن رفضك لمأمورية ثالثة؟
لم يترك ولد عبد العزيز طريقة داخلية أو خارجية و لم يترك سحرا و لا دجلا و لا رشوة و لا أي نوع من الاستعداد لأي شيء، إلا و عمله ليسمح له بالترشح لمأمورية ثالثة و كان آخرها توسله لولي العهد السعودي للتدخل لدى أمريكا للسماح له بالترشح و يعرف الجميع جوابه له الذي قطع كل أمل لديه في الأمر. و حين يقول لنا البارحة إن الآخرين هم من كانوا يدفعونه إلى ذلك لكنه رفض إيمانا منه بضرورة التناوب على السلطة و من أجل الديمقراطية في البلد ، نقول له فقط إن استخفافه بعقول الآخرين هو الدليل على صغر عقله. من يدركون هذا الأمر و هم كثر يفهمون بوضوح أن ولد عبد العزيز مقتنع حد المرض بأنه يستطيع تبرير أي معجزة بالكذب. لكن ولد عبد العزيز ينسى مع من يتعامل اليوم : لقد كان يكذب على الشعب الموريتاني و اليوم أصبح يكذب على من كانوا أقرب الناس إليه و يحملهم أوزار جرائمه ، ناسيا أنهم ذئاب مثله و سيمطرونه بالتسجيلات الصوتية و المصورة لكل أحاديثه معهم و ليس من بينهم من لا يملك ترسانة من الأدلة الدامغة المدينة له.
ـ ما أوضحه ولد عبد العزيز البارحة على طريقته التي يعتقد أنها في منتهى الذكاء و تحديه لنظام غزواني بفتح تحقيق حول الفساد، مؤكدا أنهم لن يستطيعوا القيام بذلك، هو كان أهم ما جاء في مؤتمره الصحفي : كان عزيز يختار وزراءه بعناية فائقة ، على معايير الجهل و الطمع و الطاعة العمياء ، فكانت كل الأوامر التي يصدر لهم شفهية و مباشرة (لا عبر الأوامر المكتوبة و لا حتى عبر الهاتف) و حين يتم التحقيق في أي قضية سيكون المسؤول هو الضحية . و لا شك أن الجميع يتذكر شاحنة المساعدات الأمريكية التي التقطت صورها و هي تحط حمولتها في بيته بتفرغ زينه . و حين سئل مفوض الأمن الغذائي عنها ، قال بأن تكيبر هي من أصدرت له الأوامر بذلك. و علينا ـ لأننا أغبياء ـ حين يختار عزيز أسوأ المسؤولين و يختار برلمانيين منحرفين ـ أن نصدق اليوم أنه كان بريئا و أن من نهبوا البلد هم الآخرون..!
ـ من يتذكر نكران ولد عبد العزيز بسخرية، لتسجيلات آكرا في "لقاء الشعب" في النعمة، و اتهامه للمعارضة بفبركتها ثم اعترافه بها ذليلا، بعد ما أثبت مكتب فرنسي متخصص في معالجة الصوت، صحتها بنسبة 93% و حديثه المخجل عن "عراقي يريد تربية أطفاله في بلد مسلم" ، يدرك أن عزيز لا يخجله شيء و لا يحرجه أبدا أن يعرف الجميع أنه يكذب.
كل ما قاله ولد عبد العزيز البارحة بوضوح لمن يريد أن يفهم ، هو أن الجماعة التي تحكم البلد كلها مفسدة و لديه الأدلة على فسادها و هو أفسد منهم لكن ليس لديهم أي دليل على فساده. و أشار ولد عبد العزيز بذكاء إلى شبابيك سين رايس و رفضه لشباك 20 ملمتر و فرض 40 مم و توقيع ولد اشروقة مباشرة بعد تسليمه الحكم على الترخيص لها بشباك 20 مم الممنوع دوليا . و ما أشار إليه عزيز هناك صحيح و خطير و لا يأتي دون جريمة هون دونغ في شيء. و ليس أمام غزواني اليوم سوى أن يلغي الاتفاقيتين (...)
إذا نظرنا اليوم إلى أهمية ما قاله عزيز من زاوية تناول الناس له هذا الصباح (و هو ما أهمله الجميع)، لا بد أن نعترف أنه سجل انتصارات كاسحة على الساحة :
ـ تحدي نظام الفساد بفتح تحقيق
ـ تبرئة نفسه من أي عمل لزعزعة الأمن و الاستقرار و إظهار أن دعاية النظام هي من تلصق هذه التهم به.
ـ الظهور في ثوب الضحية و بروح الديمقراطي المتأسف على ما يحدث من تجاوزات قانونية من قبل النظام، مما أكسبه تعاطفا من بعض السذج :
نسي عزيز أنه هو من منع على الفنادق قبول أي مؤتمر من دون ترخيص .
نسي عزيز أنه هو من حول الإشعار الذي ينص عليه القانون إلى ترخيص لكل التظاهرات المدنية.
نسي عزيز أنه هو من كان يقمع المظاهرات السلمية بأعلى درجات العنف غير المبرر
نسي عزيز أنه هو من قال ذات يوم في نواذيبو ، إن الدستور مجرد وريقات نحن من كتبها و نستطيع رميها في البحر و استبدالها بغيرها.
نسي عزيز أنه يملك عدة فنادق و قناتين فضائيتين، كان يخصهم بكل الامتيازات و يرفض اليوم أن يحرجهم بمؤتمره الصحفي المرفوض من الشعب قبل النظام . و هذا هو التفكير الإجرامي لولد عبد العزيز في كل تصرفاته.
لو كان عزيز يخجل من شيء لكان آخر من يتكلم عن مثل هذه الأشياء، لكن قدرته على الكذبة ستظل ظاهرة تستحق الدراسة و التأمل.
كرر ولد عبد العزيز عشرات المرات في مؤتمره، أن كل ما يفعله من أجل مصلحة الوطن؛ كم أنت طيب و صادق و حنون أيها السرطان القاتل.
و لأن عزيز لا يفرق بين النظام الداخلي للحزب (المفصل لترتيبات تشكيل هيئاته) و الدستور الموريتاني ، كرر أكثر من عشرين مرة أن ما يحصل في الحزب ليس دستوريا ، متهما غزواني بهذه الانتهاكات الدستورية و القانونية الفاضحة !!؟
و بعد إصرار عزيز بمثل هذه الاستماتة على تنظيم هذا المؤتمر، توقع الناس مفاجأة كبيرة ، ظل الجميع ينتظرها و يخمنها حتى آخر لحظة من دون أن يكتشفوا أنه صنع من انتظارهم لها أكبر مفاجأة : لقد شحنكم جميعا بما سكت عنه من دون أن تشعروا : هل كنتم تنتظرون أن يعترف لكم عزيز بأنه كان يدبر انقلابا أو عملية اغتيال في 28 نوفمبر؟ لقد كان السؤال غبيا فكانت إحالته إلى من يعتقدون ذلك تحصيل حاصل.
و قد تم ترتيب المؤتمر بدقة كبيرة؛ فعدد الصحافة الكبير كان كفيلا بخلق ذريعة مقنعة لتبرير حرمان من حرموا : انتقاء من يريد أن يعطيهم الكلام و اختيار آخرين على تخمين دقيق (يبدو في غاية البراءة) و التذرع بضيق الوقت متى ما رأى أنه مرر رسالته.
كيف تدعو صحفيا من الساعة السابعة إلى الثالثة صبحا لتحرمه من طرح سؤال واحد ؟
و في الأخير، ليس المهم ما قاله عزيز البارحة في مؤتمره الصحفي، بل المهم هو ما لم يقله .. المهم هو ما تهرب من الرد عليه .. المهم هو تبرير ألاعيبه بحرصه على الديمقراطية و مصلحة البلد لأنها كانت دليل الجميع القاطع على أنه يكذب .. على أنه يتلاعب بعقول الناس.
صدقوني؛ لقد أشفقت عليه . اللهم لا شماتة