المصير المتشابه للرئيسين الموريتاني والأنغولي

خميس, 26/12/2019 - 15:25

كتب نيكولا بو، المحلل في صحيفة "موند آفريك"، مقارنة غريبة بين الرئيسين الموريتانيين الحالي وسلفه، والرئيسين الآنغوليين الحالي وسلفه. العلم تتحف قراءها بترجمة أمينة لهذه المقارنة.

....................

بدأ الجنرال غزواني، الذي حل مكان الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، في التشكيك في إرث سلفه وتشجيع تحقيقات تطال حكمه على طريقة الرئيس الأنغولي الحالي جاو لورانسو مع سلفه دوس سانتوس.

المصير الذي واجهه الرئيسان الأنغولي جوزي أدواردو دوس سانتوس والموريتاني محمد ولد عبد العزيز، بأمر من خلَفيْهما الذيْن اختاراهما بالاسم لخلافتهما، يمثل تشابها غريبا، لأن دوس سانتوس وعزيز متشابهان في نهب بلديهما إلى درجة أنهما فقدا فيهما كل شعبية، ما جعل حق جردة الحساب شرعيا وأكثر.

بالنسبة لسنة 2019 وحدها، استطاعت الدولة الأنغولية استرجاع أكثر من 5 مليارات دولار من الأموال المختلسة حسب ما كشف عنه وزير العدل افرانسيسكو كويريس.

الطاغية العجوز، جوزي أدواردو دوس سانتوس، الذي ترأس البلاد على مدى 38 سنة، كان يسيّر بلاده كما لو أنها شركة خصوصية. إبنه جوزي فيلورنينو وابنته إزابيل، وأبناء عمومته ومتملقو حزبه (الحركة الوطنية لتحرير أنغولا) وبعض السماسرة الأجانب، استفادوا كلهم من الرشوة المنتشرة ومن الزبونية ومن الاختلاس الهائل للمال العام. وهو نفس الوضع الذي عرفته موريتانيا في ظل نظام الرئيس عزيز على مدى 10 سنوات.

ومن البديهي أن الصفقات العمومية في أنغولا كانت كلها بالتراضي، وأن جل المعارضين أرغموا على أن يسلكوا طريق المنفى، وتمت مصادرة أموالهم بتمالؤ مع القضاء الخاضع للأوامر. كما أصدِرت في حق بعضهم مذكرات اعتقال دولية. وهي نفس الحالة في موريتانيا حيث أرغمت عديد وجوه الحياة السياسية والعمومية عل الهجرة وضويقوا في أرزاقهم مثل محمد ولد بوعماتو: أكبر أرباب العمل الموريتانيين الذي لجأ إلى المملكة المغربية.

تحت ظل الرئيس العجوز دوس سانتوس كان الوصيف المعين من طرفه، جاو لورانسو، يخطو ببطء نحو السلطة بتأن وحيطة. ولا شك أن التاريخ علمنا أن الشجعان المندفعين كثيرا ما يفشلون في قبضتهم على مقاليد الحكم. ففور تسليم دوس سانتوس مفتاح النظام لخلفه جاو لورانسو (الذي اختاره غير مكره وكان وزيره المخلص وكان مثله ضابطا ساميا متمرسا)، أصبح الجو بين صديقي العمر (رفقة 30 سنة) عاصفا أكثر فأكثر. ورويدا رويدا، أدخل التسيير الكارثي للدكتاتور وفضائح حكمه في دائرة الضوء. وتوالت الإدانات القضائية فسجن إبن الرئيس السابق جوزي فيلومينو وأصدقاؤه، وصودرت ممتلكات ابنة الرئيس إزابيل. وواحدا تلو الآخر، أقصيّ الموالون لدوس سانتوس من الحزب الحاكم ومن الحكومة ومن الوظائف المهمة في الجيش والإدارة. هذا التطهير الممنهج أخذ تنفيذه أكثر من سنة. واليوم، يعيش الرئيس السابق، دوس سانتوس في منفاه ببرشلونه (إسبانيا).

إن عودة الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز إلى بلاده لم تكن لتمر دون ضجيج. فصديق العمر للرئيس الموريتاني الحالي (رفقة جاوزت 40 سنة) كان مخطئا في تصوره لأن محمد ولد الغزواني يمكنه أن يحول مؤشر السرعة إلى أقصى درجاته ضمن مسلسل لا يمكن تجنبه من تسليط الضوء على المرحلة السابقة دون تعجل أو ضعف.

وكما هو شأن حزب "الحركة الشعبية لتحرير أنغولا)، فإن متملقي حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا كان عليهم أن يعلنوا ولاءهم، في أسرع وقت، لرئيس الدولة المنتخب مؤخرا. أما المتباطئون الذين ما يزالون مصرين على مساندة الرئيس السابق فلن يجدوا لأنفسهم موطئ قدم خلال المؤتمر الحزبي القادم. وهكذا فإن غزواني، مثل جاو لورانسو، كانت حيطته وصبره الميسم الضامن لتصرفاته.

أما بالنسبة للجيش الموريتاني، فكان من اللازم أن يتعجل الخلف، وهذا ما يبرهن عليه عزل قائد كتيبة الحرس الرئاسي قبيل احتفالات عيد الاستقلال رغم التفنيدات الصادرة من هنا وهناك، فالأمر لم يكن صدفة إطلاقا. نفس الشيء بالنسبة للتحويلات التي شهدتها عدة قطاعات من الجيش والأمن والتي لم تترك شكا في مبتغياتها.

وعلى مستوى طريقة الحكم والإدارة، فإن قبضة غزواني، تماما مثل جاو لورانسو، ستتبع وتيرة متصاعدة لكن متئدة.

إن وضعية الرئيس الموريتاني السابق تظل مرتبطة بسلوكه وبسلوك آخر من تبقوا إلى جانبه. ولا شك أن منفى داخليا يشوبه التقاعد من الحياة السياسية سيكون صعب التحمل بالنسبة لعزيز. وبالتالي فمن الوارد أنه سيسلك نفس الدرب الذي سلكه الرئيس الأنغولي السابق أدوارد دوس سانتوس الذي اختار المنفى الخارجي. ولن يكون مفاجئا لأحد أن يختار المرافق العسكري السابق لمعاويه ولد الطايع المنقلب عليه المُقام في دبي بالإمارات العربية المتحدة قريبا من الدوحه (بقطر) حيث يعيش اللاجئ الذي كتب الصفحات الأكثر درامية في تاريخ البلاد. ففي الإمارات (التي تعد ملاذا ضريبيا لا مثيل له) وضع عزيز أهم ثرواته التي سرقها من الشعب الموريتاني.