في البداية قيل إن الكوكايين قد يعالج المصابين بفيروس كورونا، ولم تجد الحكومة الفرنسية بُدا من تكذيب الخبر بعد انتشاره بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي. ثم زُعم أن الأيس كريم يساعد على الوقاية من المرض، واضطرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) لإصدار بيان تُكذب فيه ذلك. ثم شاع زعم خطير وخاطئ بأن شرب الكلور قد يقي من المرض!
ورغم أنه لم تمض سوى أشهر قليلة منذ بدء انتشار وباء كورونا، إلا أن العديد من الروايات انتشرت عن كيفية الوقاية منه، فقيل إن الإكثار من شرب الماء يقي من العدوى. وفيما يلي أسباب استبعاد صحة هذا الاعتقاد أيضا.
أوصت بعض المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي بضرورة الإبقاء على الفم رطبا وشرب الماء كل 15 دقيقة، باعتبار أن ذلك سيساعد في التخلص من الفيروس باتجاه المريء والمعدة حيث سيقضي عليه الحمض المَعِدي.
تقول كالبانا سباباتي، أخصائية في علم الأوبئة السريرية في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي: "إنها فكرة ساذجة للغاية، لا أستطيع حتى التفكير في مدى صحتها".
وتشير سباباتي إلى أن العدوى تبدأ عادة بعد تعرض المرء لآلاف أو ملايين الجزيئات الفيروسية، وبالتالي فشرب الماء لبلع القليل منها بالمريء لن يؤثر كثيرا، وتضيف: "من المستبعد تماما أن يتمكن الشخص من بلع كافة الجزيئات الفيروسية باتجاه المعدة، فمن شبه المؤكد أن بعضا منها دخل عبر فتحتي الأنف".
وهناك سبب آخر لخطأ هذا الاعتقاد، فحتى لو لم يكن الفيروس قد توغل داخل خلايا الجهاز التنفسي فبإمكانه دخول الجسم بطرق أخرى. فبينما يصاب البعض عن طريق ملامسة أفواههم بأصابعهم وعليها الفيروس، تحدث الإصابة أيضا بدخول الفيروس للجسم عبر لمس الأنف والعين.
كذلك لا يُعتقد أن اللمس هو السبيل الرئيسي لانتقال العدوى، لأنها قد تنتقل أيضا عبر استنشاق الرذاذ الدقيق الذي يحوي آلاف الجزيئات الفيروسية والذي يطلقه السعال والرشح - سواء استنشقه الشخص مباشرة أو بعد ساعات من بقائه معلقا في الهواء.
وهناك سبب آخر يستبعد فائدة شرب الماء في منع العدوى، فرغم الاعتقاد بأن حمض المعدة سيقضي فورا على أي جزيئات للفيروس - باعتبار أن مؤشر حمضية السائل المَعدي ما بين 1 و3 أي يناهز حمض البطارية المذيب للفولاذ (حتى إن علماء ابتكروا وسيلة لاستخدامه كمصدر للكهرباء)- إلا أن الفيروس قد يكون أقوى من ذلك.
فبعد ظهور مرض ميرس في السعودية عام 2012، اكتشف الباحثون أن الفيروس المسبب له، وهو من الفيروسات التاجية قريبة الشبه بفيروس كورونا المستجد، "يقاوم بشدة" الحمض المخفف قليلا كالحمض المَعِدي بعد تناول الطعام. كذلك اكتشف الباحثون مؤشرات على قدرة الفيروس على الانتشار بأمعاء المريض، وسهولة تشبثه بالخلايا المعوية. ومن ثم تكهن الباحثون باحتمال إصابة الفيروس للشخص عبر جهازه الهضمي.
وبينما لم يتم التأكد من حدوث الأمر نفسه مع فيروس كورونا المستجد، فقد عانى بعض المرضى من أعراض مثل الغثيان والإسهال. والآن يحذر خبراء من الصين من قدرة فيروس كورونا المستجد على عدوى الجهاز الهضمي. ووفقا لأحد التقارير فإن فيروس كورونا المستجد وُجد في عينات براز أكثر من نصف المصابين به، وهو ما يعني أنه استمر بعد وقت طويل من تخلص الرئتين منه.
والأهم من ذلك، لم يُجر أي بحث عن أن شرب الماء يقي من الإصابة بفيروس كورونا المستجد، وبالتالي فالنصيحة غير قائمة على العلم وتبقى نظرية هشة. وحتى الدراسة الوحيدة قريبة الصلة بهذا الأمر قد أجريت قبل 15 عاما من الآن.
يمكن لفيروس كورونا المستجد الوصول للجسم عبر سبل شتى، وبالتالي لا يرجح أن يقلل شرب الماء من الإصابة
وخلال تلك الدراسة، نظر الباحث فيما إذا كان للغرغرة بالماء دور في الوقاية من عدوى الأمراض التي تصيب الجهاز التنفسي، مع شيوع تلك الممارسة في اليابان. ووجد الباحث خلال فترة 60 يوما أن من واظبوا على الغرغرة بالماء ثلاث مرات يوميا كانوا أقل عرضة - حسبما أوردوا - للإصابة بأعراض تنفسية، عمن استخدموا محلولا مطهرا للغرغرة أو لم يفعلوا هذا أو ذاك. لكن لا تنطبق تلك النتيجة بالضرورة في حالة فيروس كورونا المستجد، ومن الخطر افتراض ذلك.
أولا، ركزت تلك الدراسة على الجزء العلوي من الجهاز التنفسي، الذي يضم الجيوب الأنفية والحلق والمسارات الهوائية العليا، بينما يصيب فيروس كورونا المستجد أيضا الجزء السفلي من الجهاز التنفسي ويخترق الصدر والرئتين. ثانيا، كانت تلك الدراسة محدودة واعتمدت على ما أورده المشاركون من أعراض دون فحصهم موضوعيا.
تقول سباباتي إن البعض قد يظن أنه لا ضير من نصيحة تناول الماء كل 15 دقيقة، لكن ينطوي الأمر على خطر حقيقي لأنه قد يعطي شعورا زائفا بالثقة "فيعتقد الشخص أنه بمأمن من المرض إن فعل ذلك من دون مراعاة النصائح الموثوق بها".
وحتى الآن، تشير أكثر الأدلة إلى أن الأفضل هو تجنب مخالطة الناس إلا في أضيق نطاق، والإكثار من غسل الأيدي.