في أواخر السبعينات ذهب وزير العمران عبد الله ولد داداه الى شنقيط وجمع الوجهاء وأخبرهم أنه أمام موجة الجفاف وزحف الرمال وخطر البوليزاريو فإن الدولة تخطط لتهجير سكان شنقيط الى مدن أخرى.
وقعت الخبر كالصاعقة على رأس محمدو ولد أبنو رجل الأعمال الناجح وأحد ابناء العائلات الشنقيطية العريقة و قرر نقل ابنائه من نواكشوط نحو شنقيط وافتتح اعدادية في المدرسة بماله الخاص وألزم نفسه بتوفير المواد الغذائية بسعر معقول للساكنة واشترى شاحنة خصصها لذلك كما حفر آبارا ارتوازية لتوفير الماء الشروب.
لم يقف الأمر عن هذا الحد، بل راودته فكرة اعتبرها الكل بما فيها اقرب المقربين جنونا مطلقا ألا وهي شق طريق في شواهق الجبال نحو اطار الذي يبعد 80 كيلومترا تقطعها السيارات الرباعية الدفع القوية و الشاحنات في 8 ساعات.
من سنة 82 الى 2000 وهذا الرجل بإمكانياته الخاصة يفجر الجبال و ينحت الممرات في الصخر الأصم.
أعتبره البعض مجنونا و اعتبر آخرون انه يعري الدولة ، فإذا كان رجل اعمال يستطيع فعل هذا فمعناه أن الدولة مقصرة ، و أعتبر آخرون انه يفضح رجال الأعمال ويظهر مدى انعدام وطنيتهم و آخرون قرروا ان الهدف هو انتزاع المكانة السياسية والأخلاقية في الولاية.
الجميع اتفق على محاربته ، خسر عمدة المدينة و حورب في رزقه و دمرت شركاته واضهدت أسرته وكل من يمت له بصلة ،ولكن الطريق اكتمل وتحولت الثمان ساعات للوصول الى ثلاثة ارباع الساعة.
أطلق الناس الطريق طريق ولد أبنو أحب من أحب و كره من كره.
رياضة موريتانيا الأولى ليست كرة القدم و لا الرماية بل هي الحسد و محاربة الناجحين و الخيرين.
كان فريق المرابطون كما يشهد لاعبوه بالصوت و الصورة يتوقف عن اللعب في حال ثقبت كرتهم ، ويتفرقون في انتظار الحصول على كرة أخرى.
في احدى المرات إحتجزهم فندق في مالي ومنعهم من التوجه للمبارات لعدم دفع التكاليف وجمعت لهم الجالية مبلغا لفك اسرهم، وأتذكر مرة في مطار السنغال رأيتهم نياما على الكراسي و الأرض وعندما سألت أخبرني احدهم أنهم لا يمتلكون ثمن فندق و اضطروا للنوم هناك في انتظار التوجه للملعب.
كان الفاكس الذي تستعملهم الأتحادية هو فاكس فندق حليمة و أحيانا كثيرة كانت رسائل الفيفا لا تصلهم ابدا لأن عمال الفندق يهملون مراسلاتهم و يظنونها مجرد خطأ في الرقم.
يوم تسلم أحمد ولد يحي لرئاسة الاتحادية كان فريق المرابطون محروما من المشاركة الدولية لعجزه عن الوصول الى الدول التي تقام فيها المباريات.
كانت مجرد رؤية شاب يهتم بالكرة ويمارسها نذيرا لأهله أنه سيعيش ويموت فاشلا فقيرا معدما .
أما موضع ملعب شيخة ولد بيدية فمجرد ساحة كبيرة يتجمع على منصتها المشردون في الليل و يتخذها اللصوص مقر عمل لسلب المارة الذين يعبرونها لاختصار الطريق.
موريتانيا وصلت للبطولة الأفريقة و ملعب شيخة اصبح ملعبا بالمواصفات الدولية وفيه مكاتب للاتحادية تضاهي مثيلاتها في العالم و تتفوق نظافة و تجهيزا على وزارات موريتانيا و اداراتها و يمتلك قاعة للمؤتمرات من الطراز العالمي ،وفيه اكادمية لكرة القدم تأوي اطفال موريتانيا الموهوبين و توفر لهم الغذاء و التعليم في افضل المدارس الخاصة و تدربهم على أصول كرة القدم ويحلم الكثيرون بإلحاق أبنائهم بها.
المنتخب الذي كان يتنقل في سيارة 404 مؤجرة من السيارات المخصصة لنقل الموتى من أمام المستشفى اصبح لديه أحدث الباصات المكيفة و إذا احتاج للتنقل تؤجر له الطائرات وتحققت الانجازات الكروية ووصلنا لبطولة افريقيا.
منزل الوزير الأول الحالي تلتصق به فيلا فخمة للاعب أدم با و الحسن ولد العيد إبن حي الرياض واجه برشلونة في الدوري الاسباني ، وعبد الله محمود لعب ضد ريال مدريد.
الآن يتدرب آلاف الموهوبين من فقراء موريتانيا بحماس و يبتعدون عن الانحراف والجريمة و التطرف لأنهم رأوا ابناء جلدتهم من أحياء الفقر يصلون للشهرة والعالمية و الثروة.
كل هذا بفضل شاب حالم ، كان بإمكانه التفرغ لنجاحاته في عالم الأعمال ولكنه اختار انتشال شباب وطنه من قاع الفشل.
رغم كل الضجيج ستبقى الانجازات الملموسة شاهدا أحب من أحب وكره من كره.