هو الموت ليس منه مهرب، وهو باب وكل الناس داخله، مِنَ الناس مَنْ يتمنى المرء بقاءهم على قيد الحياة مدى الدهر مع علمه باستحالة ذلك؛ لطيبتهم ولفائدتهم وإيجابيتهم، ومنهم من يتمنى له العكس لنقيض ما تقدم، فمن الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، ومنهم مفاتيح للشر لا يألفون الخير ولا إليه يهتدون.
لن تنسى الجمهورية الإسلامية الموريتانية للمغفور له -بإذن الله تعالى- الشيخ: *صباح الأحمد الجابر الصباح* ذلك الحب الكبير الذي حظيت به من عنده ومن أمثلة ذلك الحية استئناسا لا حصرا؛ حضور القمة العربية 27 التي انعقدت لأول مرة في العاصمة انواكشوط تحت خيمة شنقيط الأصيلة وغاب عنها معظم القادة العرب رغم وافر صحتهم وتوالي فراغهم؛ عكس الشيخ صباح الذي تحامل على المرض وجاهد الرعاية الطبية والتزاماتها حتى حضر؛ ليؤكد أنه من السابقين إلى الخيرات، الزارعين للأمل الذي حملت هذه القمة عنوانه، ذلك الأمل الذي ظل الشيخ صباح يغرس بذوره في كل بقاع العام وينثر شذاه أين ما حل أو ارتحل، سواء بإصلاح ذات البين وتسخير خبرته الدبلوماسية الطويلة لذلك، أو عن طريق رسم البسمة على أفواه الجياع وإنزال اللقمة في بطونهم، بالإضافة إلى آثاره الخالدة في مجالات عدة كالبيئة وغيرها؛ حتى حاز ألقابا عالمية كثيرة تميز بها عن غيره، ومنها مثالا لا حصرا: رائد العمل الدبلوماسي وأمير الإنسانية وصديق البيئة وحكيم العرب..
لمّا تولى المغفور له -بإذن الله- حكم بلاده سنة 2006 بعد أربعين سنة من قيادة دبلوماسيتها بسلاسة وتعقل ونجاح، ونثر الحكمة والود والتآلف بين شعوب العالم بدأت شخصيته العالمية الفذة تظهر في أبهى التجليات من خلال تدخلاته وقيمة مبادراته التي منها مثالا وإرشادا: التبرع ب 150 مليون دولار في نوفمبر 2007 لتمويل البحوث العلمية العالمية ذات الصلة بالبيئة والتغير المناخي، فصار العالم يطلق عليه لقب صديق البيئة.
وفي مايو 2008 أنشأت دولة الكويت صندوقا للحياة الكريمة وساهمت فيه بأمر وإرشاد من سمو الأمير الشيخ صباح ب 100 مليون دولار لمواجهة الانعكاسات السلبية لأزمة الغذاء العالمية على الدول الضعيفة والمحتاجة، فكان بذلك ممن أطعم الجائع وأنزل اللقمة في بطنه.
وفي يناير 2009 أطلق الشيخ صباح مبادرته الشهيرة دعما وتشجيعا للمشاريع الصغيرة والمتوسطة خلال مؤتمر القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية برأسمال قدره مليار دولار، وكانت تمهيدا مباشرا وتلطيفا للأجواء لتحقيق المصالحة العربية بين القادة من خلال تعزيز المشتركات الإيجابية.
وفي يوليو 2012 أعلن الشيخ صباح (صديق شعوب العالم كافة) خلال مؤتمر قمة الاتحاد الإفريقي عن تبرع دولة الكويت بتكاليف تجهيز المقر الجديد للمفوضية العامة للاتحاد الإفريقي بجميع مستلزماته في العاصمة الأثيوبية أديس بابا.
وفي إبريل 2016 أطلقت الكويت مبادرة لاستضافة مباحثات السلام اليمنية برعاية الأمم المتحدة، وتدخل الأمير الشيخ صباح مباشرة لضمان نجاح المبادرة سبيلا إلى حقن دماء الإخوة والأشقاء وإنهاء معاناة الأطفال والأرامل والمشردين؛
وكان سمو الأمير الراحل يتنقل بين الدول الخليجية، رغم مرضه وكبر سنه؛ لاحتواء الأزمة التي تفاقمت بين دول مجلس التعاون الخليجي وكان هو منبع المطافئ بعد أن كان طيلة حياته شمعة مضيئة على المستوى العالمي.
ظل الشيخ صباح (حكيم العرب) يتبنى موقفا ثابتا حيال القضية الفلسطينية العادلة إلى جانب الإخوة في الدين والدم ضد عدوهم وعدو السلام والإنسانية الصهيوني الغاصب.
من الصعب أن ننظر في زاوية من الحياة الكويتية أو العربية إلا ووجدنا بصمة مباشرة إيجابية للأمير الراحل فيها، في الإعلام والثقافة، في التشريع وإعداد الدستور، في تنظيم العمالة وإرساء حقوق المهاجرين، في مجال فض النزاعات على المستوى الدولي والإقليمي، وتنقية المناخ العالمي البيئي ودعم النظام الغذائي العالمي لضمان عيش كريم وبيئة نظيفة، وفي مجال السياسة، حقنا للدماء وزرعا للبسمة والأمل، ورغم معاناته مع المرض كان سليم القلب معافى الذاكرة مستقيم التصرف، مفتاحا للخير مغلاقا للشر، وكان مصباحا يضيئ عتمة العالم الذي أظلمته الحروب والنزاعات.
رحم الله أب الأمة العربية والإسلامية، حكيم العرب، الشيخ صباح الأحمد الجابر المبارك الصباح، وجعله في أعلى عليين في جوار سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.