لقدكتابنا في كتبنا "الديمقراطية الاحتوائية والحكامة الرشيدة "، حيث اقترحنا - في الفصل الأول، اعتماد الديمقراطية وتكييفها مع حقائقنا: ركيزتان ضروريتان لسير الديمقراطية الموريتانية
الركيزة الأولى أو المحور الأول يرتكز على "قواسم الاتفاق المشترك" أو "الثوابت الاستراتيجية" على هيئة إطار موحد للأحزاب "كحزب الأحزاب" وقد يسمى حزب موريتانيا.
والمحور الثاني يرتكز على التعددية الحزبية وفيها تظهر نقاط الاختلاف والخلاف أو "المتغيرات التكتيكية".
فالمقترح يقضي بإيجاد ما أطلقنا عليه "حزب الأحزاب" إلى جانب التعددية وذلك من أجل محاصرة الخلافات التي تؤدي إلى المزيد من "شظايا الأحزاب" و"الأحزاب الوهمية" التي لا فائدة من ورائها سوى تكريس الفرقة والتشرذم... والدليل هو عجزنا حتى الآن عن إيجاد أرضية تفاهم مشتركة. إن رجال السياسة والنخبة المفكرة المنوط بها قيادة المجتمع والأخذ بزمامه تفقد مصداقيتها لدى جماهيرها من دوام تركيزها على الخلافات التي قد تؤدي إلى انتصار طرف على آخر لكنها قد تؤدي أحيانا إلى خسارة الطرفين وهذا ما أخشى منه على موريتانيا، حتى أن مصطلح السياسة أصبح رديفا لكل معاني الكذب والغش والنفاق بدلا من التركيز على ما يجمع ويوحد الناس على مصالحهم العامة.
قد يظن البعض أن هذه الأفكار تعيدنا إلى زمن الحزب الواحد بكل رجعيته وسلبياته.. لهذا البعض أقول إن خيار التعددية السياسية والحزبية لابديل عنه وأن ما أدعو إليه هو إيجاد أرضية مشتركة تجمع النخبة السياسية الموريتانية على تحقيق مصلحة هذا البلد في إطار ديمقراطي موحد.
لقد تعلمنا من التجربة أن التناحر السياسي يشتعل في فترات الانتخابات أيا كان مستواها، فإذا قسمنا الزمن على دورتين: دورة الانتخابات ودورة المدد الزمانية التي تفصل بينها، نجد أن الفترات الشاغرة التي تفصل بينها – وهي بالسنوات - تصلح لإيجاد أرضيات تعاون والتقاء فيما بينها، ويبقى الصراع والتنافس في فترات الاستحقاقات الوطنية أيا كان مستواها.. تشريعية أو رئاسية...
وأذكر القارئ بأن الأفكار التي أقدمها تنطلق من نظرة إيجابية، وما استشهادي بتجربة الحزب الواحد، إلا استشهادا بتجربة هي جزء من التاريخ السياسي لهذا البلد، ولا أتصور شعبا يجهل أو يتجاهل تاريخه أيا كان حكمه على تجربة أو أخرى من هذا التاريخ...
ويحق لنا في هذا السياق التساؤل عما يمكن أن نجتمع على فعله سويا... إن ما أنوه إليه هو الفعل المشترك لا الفكر المشترك... نقطة الالتقاء إذن هي الفعل المشترك.
ويمكنني في هذا الصدد أن أسوق مجموعة من المحاور التي تصلح كأرضية مشتركة للعمل الوطني.
أ - المساهمة في ترقية الثقافة المدنية لدى الجماهير
فلا ديمقراطية دون مدنية هذا شرط أساسي لتطور ونمو المجتمعات الديمقراطية... وكمثال فقد شاركت في عمليات انتخابية ووجدت نفسي أمام مجموعة كبيرة من بطاقات الانتخابات لم يتقدم أصحابها لسحبها. بالطبع الذاتي رفضت استخدامها لغير ما كانت صالحة له. وفي تلك الفترة كانت هذه غنيمة يغتنمها البعض لصالح مرشحيهم. فالتزوير يتأتى من فقدان الوعي المدني بالحق المدني. ولا يتأتى القضاء على التزوير وقلة الوعي بالحقوق والواجبات المدنية إلا بالتثقيف المدني ورغم أنني لم أكن أبدا عضوا في هياكل تهذيب الجماهير- ولا عضوا في الحزب الواحد – إلا أنني أتساءل عن إمكانية استخدام هذه التجربة في إعادة التهذيب المدني للجماهير شرط ألا يختلط ذلك بالعمل السياسي أو البوليسي.
وهنا نقترح - بشكل عابر – إنشاء محطة إذاعية وتلفزية تعنى فقط بالتربية والثقافة المدنية وإيقاظ الوعي المدني – والتوعية الحضرية – وقد يشارك فيها سياسيون ومثقفون يمثلون مختلف الاتجاهات السياسية لكن كدعاة للثقافة المدنية والوعي القيمي والحضاري وليس للسياسة أو الأحزاب.
ب) محور المحافظة على البيئة كمجال للعمل المشترك
مجال خصب يحمل في طياته كل عوامل اجتماع الجميع حوله لمواجهة مشكلتي التصحر والتشجير وحماية الغابات والتغلب على مشاكل التلوث وبإمكان الأحزاب كافة تسخير كل طاقاتها على اختلاف مستوياتها للعمل معا على مواجهة هذه التحديات، ولست هنا أدعو إلى قيام حزب للخضر كما هو الحال في الكثير من الدول، إنما الدعوة موجهة إلى كافة المشتغلين بالسياسة والعمل العام للمساهمة المشتركة لحل مشاكل بلدهم الواحد وشعبهم الواحد.
ج - الأزمات التي تهدد البلد
والتي قد تهدد الوحدة الوطنية والديمقراطية أو تهدد بمجاعة أو جفاف أو أي كوارث طبيعية لا قدر الله.
هذه كلها مناسبات للالتحام ونكران الذات والعمل المشترك لتجاوز هكذا حالة أو أزمة.
د - محو الأمية – الحكم الرشيد
الكل يجمع على أهمية محو الأمية، وترشيد الإدارة، والعمل معا على ترجمة المهام المترتبة عليها إلى برامج عمل مشتركة، فهي كلها من مواضيع الساعة ولدى الجميع توافق عليها جميعا ويمكن العمل من خلالها دون خلاف أو اختلاف.
إنشاء لجنة حكماء لاقتراح ميثاق شرف تلتزم به الأحزاب
ويعنى بالأطر الأخلاقية والعملية والديمقراطية التي تحكم حركة الأحزاب في المجتمع.
الدكتور محمد ولدمحمدالحسن