قبل الدخول في الموضوع أقدم اعتذاري عن كل من أبدى عتبا على ما نشر في الحلقة الأولى وأخص بالذكر حركة الحر فلها منا الاحترام ولها في هذه الحلقة ذكر محمود .
المدخل:
تعود جذور التيار القومي العربي في موريتانيا إلى الخمسينيات من القرن المنصرم تأثرا بالثورة العربية الشاملة والمغاربية التي انطلقت من طنجة سنة 57 ومن مكتب المغرب العربي في القاهرة الذي كان من أبرز نشطائه الحبيب بو رقيبه هواري بومدين - علال الفاسي - الزعيم احمدو ولد حرمه ولد ببانه العلوي ، فضلا عن أثر الحركات الثورية في الساحة الداخلية كحركة الشباب وحزب النهضة الوطنية المشحونة بأفكار المقاومة المغاربية وبثورة 52 في مصر في حين كانت الأفكار البعثية تنتشر في الساحة الوطنية عن طريق الطلاب العائدين من الشرق سنة 58 مشبعين بالافكار القومية اليسارية مع تأثير التحول الذي شهد ه النضال العربي عقب نكسة يونيو 67 والانشقاقات التي حدثت تبعا لذلك بانعكاساتها السلبية على المد القومي أداء وتنظيما وتولي الزنوج في أحداث 66 مهمة الدفاع عن الثقافة الفرنسية ، والجدير بالذكر أن حركة القوميين العرب في موريتانيا تتكون من ثلاث شعب هي : التيار الناصري والتيار البعثي بالإضافة إلي حركة الحر الحديثة النشاة التي تتبني الخط العروبي مع ما يلمس في خطابها من الدفاع عن فئة اجتماعية ما زالت تعاني من الآثار النفسية للتهميش الاجتماعي ، وقد تأسست هذه الحركة في 5 مارس 78 ورفعت شعارات الوحدة الوطنية والعمل على تذويب الفوارق الاجتماعية في إطار المجتمع المتكافئ والسعي لتضيق الفجوة بين الفقراء والأغنياء وخصوصية الحر في مرجعتيها الوطنية وأهمية ذلك تكمن في عدم تلقي العون الأجنبي حيث وصل قائدها وأحد مفكريها بجهوده الذاتية إلى قمة السلطة التشريعية مما مكنه من تحقيق بعض أهداف الحركة بالمساهمة في استصدار منظومة من النصوص القانونية الآمرة لمحو آثار التمييز العرقي . وتكريس قيم المواطنة وحماية حقوق الإنسان وصيانتها ، والقوميون العرب في موريتانيا يضعون تحقيق هذه الأهداف نصب أعينهم فنراهم يدافعون عن المستضعفين وكل ما من شأنه مركزية الانسان والرفع من شانه والقضاء على التبعية الثقافية لفرنسا لفراكفونية التي تصف موريتانيا بالكيان المصطنع من أجل تحقيق التوازن الاقليمي كما ورد على لسان رئيسها افرانسوا ميترانه ، في حديث مع " (شولت) وزير الخارجية الآمريكي في عهد الرئيس (رونالند ريغن ) فيما رواه (جاك آتالي ) المستشار بالرئاسة الفرنسية في مذكراته حيث يقول أن المبعوث الامريكي سأل الرئيس الفرنسي عن موقفه من نزاع الصحراء الغربية فكان رده بما نصه : ( نحن في فرنسا لا نهتم كثيرا بقضية الصحراء والذي يهمنا موريتانيا التي هي في حقيقتها كيان مصطنع إلا أنه يلعب دورا مهما في التوازن الاقليمي في المنطقة ) على هذه الروؤي الاستعلائية يتحفظ كل ذي ضمير حي .
وفي سياق متصل كان للجناح البعثي حضور معتبر في حركة العاشر من يوليو 78 الانقلابية تأطيرا ومساهمة مع العجز عن التحكم في مسار الاحداث نتيجة الاختلاف في الروؤى مع الانقلابيين مما أفضى إلى اتهام البعثيين بالتخطيط لقلب نظام الحكم سني 83 و88 مما آل إلي القيام بحملة اعتقالات واسعة في صفوفهم والفصل التعسفي لأكثر من 157 من عناصر الجيش المحسوبين عليهم .
في حين اتهم الناصريون بإثارة الشغب في الأوساط الطلابية سنة 83 الأمر الذي آل إلى قيام النظام بحملة اعتقالات عشوائية وممارسة العنف مع المعتقلين .
كما تمت ملاحقة حركة الحر واعتقال العديد من عناصرها ومحاكمتهم أمام محاكم استثنائية في روصو سنة 80 .
هذا ويلاحظ تخوف الحركة القومية من الآثار السلبية للهجرة السرية من دول غرب افريقيا خوفا على تغيير البنية الديمغرافية للسكان ، خاصة تلك الهجرة المنظمة من دولة السينغال المجاورة التي لا تخفي طموحاتها التوسعية في السيطرة على الولايات الجنوبية وضمها إلي أراضيها الموقف الذي عبر عنه بوضوح الرئيس السينغالي الراحل (سنغور) في مقابلة مع جريدة ( جن آفريك) اجراها التونسي دحماني سنة 78 حيث صرح الرئيس السينغالي أنه في حالة وقوع اضطرابات في موريتانيا فإن السينغال لن تقف مكتوفة الأيدي لوجود جالية لها تزيد على نصف المليون فضلا عن حدودها الممتدة لما وراء الضفة اليمني للنهر ، وفي هذاالإطار تم تبادل الرسائل بين الرئيسين السينغالي والموريتاني سنة 75 مما أدى إلي تصعيد في الموقف بين البلدين لولا التدخل الفرنسي الداعي إلي التهدئة وتأكد هذا الرأي مرة أخرى من الجارة السينغال في جلسة علنية للبرلمان السينغالي حين صرح السيد مصطفي انياس وزير الخارجية السينغالي أمام البرلمان في رده على الاستفسار عن الحدود السينغالية الموريتانية بالقول أن الحدود حيث ينتهي فيضان النهر على الضفة اليمني وهذا معناه أن ثلاث ولايات جنوبية ستكون داخل الحيز الترابي السينغالي وأن احتلالها سيكون قضية وقت وهي عواصم ولاية اترارزه -لبراكنه - كوركل وكافة القرى الواقعة على الضفة اليمني للنهر وبـهذا نجد الحكومة السينغالية لا تعتراف بالحدود الموروثه عن الاستعمار وتتنكر للاتفاقيات الموقعة بين البلدين في نطاق منظمة استثمار نهر السينغال وعليه فإن أزمة 89 تجد مبررها في النظرة التوسعية للسينغاليين .
وقضية الحدود هذه مع السينغاليين ناقشها المبعوث الأمريكي (هيرمان كوهان) المكلف بالشؤون الخارجية الذي زار موريتانيا اكتوبر 89 في مهمة سرية حيث اقترح على الرئيس الموريتاني حل مشكلة الحدود مع السينغال على غرار حل النزاع الحدودي بين كندا والولايات المتحدة وكان في الحدود مشكلة دولية تقتضي اللجوء إلى التحكيم الدولي والغريب في الأمر أن الصحافة الرسمية تكتمت على الموضوع وحتى أحزاب المعارضة أقرت الموقف السينغالي بالسكوت .
من هنا فإن حركة القوميين العرب في موريتانيا تدعوا إلي اليقظة وتشديد الرقابة على الحدود مع السينغال وتفعيل قانون الهجرة والجنسية والاقامة وفي مواضيع منفصلة ترى الحركة أن تحقيق الوحدة الوطنية رهين بالتعاون مع الهوية بوضوح لا لبس فيه ، وفي مجال التربية والتعليم نراهم يطالبون بتعريب الإدارة ومراحل التعليم الابتدائي والاعدادي كما يرفضون الثنائية اللغوية لتكلفتها العالية على الدولة ويستبعدون حل المشكل الثقافي على أساس تقسيم البلاد بين الجنوب والشمال على ضوء التجربة السودانية ويؤكدون رفضهم المقترح الزنجي في هذا الشأن لعدة اعتبارات أهمها أن لا وجود لأرض متميزة لهذه المجموعات . ويبقي الأولي هو إعلاء مركزية الدولة والإنسان وصيانة حقوق الاقليات وسيادة قيم المواطنة حتي لا تشعر الأقلية بالغبن ولا الأكثرية بثقلها على حساب حقوق الأقلية ما لم تخترق الخطوط الحمراء لهوية البلد عندئذ سيكون الأمن القومي على المحك في دولة القانون والمؤسسات وللقوميين تحفظ واضح على اطلاق همزة الوصل التي نادى بها المستعمر (كبولاني) وبنت عليها الدولة الحديثة سياسيتها الخارجية ولم يثنيها عن ذلك الانضمام إلى جامعة الدول العربية سنة 73 والاتحاد المغاربي سنة 89 والانسحاب من المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا .
وفي تعاطيها مع الفضايا الوطنية نجدها تقف إلى جانب ضحايا المدنيين في الأزمة مع السينغال سنة 89 كما تدين بشدة حالات الترحيل القسري وتدعم جهود الدولة في حل مشكل الإرث الإنساني وترحب بعودة المهجرين وإيوائهم مع الحرص على ربط ملف المبعدين من كلا البلدين على أساس وحدة السبب والموضوع .
ومن مبادئهم الثابتة أنهم لا يرون في الأفارقة خصوما لهم بل يرون العربي والافريقي شقيقين كلاهما كان ضحية للاستعمار والجشع الرأ سمالي الغربي والاستكبار العالمي وأنهما يواجهان عدوا مشتركا ويقفان في خندق واحد وقد تجلى ذلك في التحالف بين عبد الناصر وكوانكروما وفي انعقاد مؤتمر القمة العربي الافريقي سنة 77 في القاهرة وأن الفضاء العربي والافريقي فضاء واحد يواجه الفقر والتبعية الحضارية وبطش الأنظمة الاستبدادية ويبقي الخطاب القومي العربي موضع شك وريبة من قبل انظمة الحكم المتعاقبة على البلاد بحكم عزلتها عن الشعب الموروثة عن الاستعمار الذي ترك لغة أجنبية لا يفهما أكثر من 5% من السكان مما جعل حركة القوميين العرب الحركة الاكثر تعرضا للضغوط الاقتصادية والثقافية من قبل الدولة والأقل حظا في وظائفها بسبب علو الحاجز النفسي والثقافي الذي يفصل الدولة عن المواطنين وإن كان في الأقصاء والمعانات منافع أو مكاسب مبطنة قد تكون في عدم التورط في ظاهرة الفساد الموروث عن العهد الاستعماري .
وتظل حالة الارتباك والترقب و التردد بين الخوف والرجاء التي تلاحق الحركة بحكم عقيدتها السياسية تدفع إلى فضاء هش يعاني من تبعات هزائم متواصلة نتيجة معارك أبدية من أجل استعادة الذات والتمسك بالهوية والخروج من التبعية الاستعمارية والقهر الحضاري والصدام بالأنظمة الاستبدادية .
يقع كل هذا في غياب مرجعية فكرية واديولوجية على أثر نكسة يونيو 67 والفراغ الذي تركه غياب الرئيس جمال عبد الناصر سنة 70 وسقوط دار الخلافة الاسلامية ببغداد بعقود من الزمن من بعد ذلك على يد جورج بوش هولاكو الثاني سنة 2003 بمساندة عملاء أمريكا في المنطقة العربية واستشهاد قائد المقاومة العربية صدام حسين شنقا يوم عيد الأضحى على يد الحكام المفروضين على العراق من على ظهور الدبابات الامريكية الغازية كل هذا ترك جروحا غائرة يتعذر اندمالها ( أفق) ( يحسبه الظمآن ماءا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا) الآية.
في ظل إعلام عربي يتنكر في زي الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان ومساندة الثورات في الوطن العربي ليقوم بمهمة التحريض على الكراهية والفوضي والاقتتال بين الأشقاء بدافع الترويج للفوضى الخلاقة المدعومة أمريكيا .
مما يفضي بحركة القوميين العرب إلي مستقبل مجهول ما لم تجد المنقذ الموعود في صحبة مهدي منتظر يملأ الساحة عدلا بعد أن ملأت جورا و هذا لا يعني أن يكون الخيار في الارتماء في شباك الغرب الاستعماري والصهيونية العالمية والتخلي عن دورها التاريخي بل يدعو إلى المزيد من الثبات والثقة بوعد الله بالنصر حتي لا ترتكب موبقة التولى يوم الزحف فتلحق بـها اللعنة التي ظلت تطاردها ، وليس في الخروج من الساحة حلا مما يترك فراغا لا يمكن ملؤه لعدم وجود بديل قادر على تولي المهمة فالشيوعيون ولى عهدهم وانتهي دورهم التاريخي والاسلاميون وهم الأقرب عاجزون عن التأقلم مع الأنماط الديمقراطية وما تفرضه العولمة من الضرورات المبيحة للمحظورات والتعاطي مع قيم المواطنة ما لم تستلهم من التجربة التركية مع ما يلزمهم في ذلك من جهد ووقت .
والأحزاب الإدارية تفتقر إلي الايديولوجية والتأييد الجماهيري وتبقي حركة القوميين العرب ذات البعد الإسلامي رغم ما تواجهه من تحديات الأقرب لتطلعات الشعوب والأقدر على الحشد الجماهيري والأهم من هذا كله أنها الملهم الرئيسي للثورة العربية المعاصرة التي نتابع هذه الأيام أكثر فصولها إثارة .
وأخيرا فإن هذه الصحراء المقفرة لن تدين إلا لهذا الحي من مضر .
(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) الآية