قبل أعوام حضرتُ جلسةً كانت بدايةً لقيام شراكة تجارية بين مواطن خليجي وآخر موريتاني. وبعد مدة اتصل بي المواطن الخليجي وأخبرني أنه أسس شركة مع الموريتاني (مسؤول رفيع سابق)، وأنهما ذهبا معاً لأداء العمرة وتعاهدا عند الكعبة على الوفاء والإخلاص والصدق كل منهما للآخر. باركتُ له الشراكة وتمنيت لمشروعهما النجاح والربح الوفير وأن يكون بداية موفقة لاستقطاب الاستثمارات الخليجية إلى بلادنا. ثم بعد مدة اتصل بي المواطن الخليجي مرة أخرى قائلا: لقد أرسلت المال إلى شريكي على ثلاث دفعات، وقد وضع وثائق الشركة كلها وأبرم عقد الشراكة وبعث لي نسخة منه تحمل توقيعي أمام القاضي وكاتب الضبط في «قصر العدالة» بنواكشوط، وأنا جالس هنا في بلدي. وكانت في صوته نبرة استغراب ودهشة، لكنه مع ذلك كان مسروراً بقيام الشركة.
بيد أنه في غضون بضعة أشهر فقط سيتحول ذلك السرور إلى شكوك ثم سوء تفاهم ثم انقطاع اتصال. وعندها زارني في البيت وقال: شريكي بقي عاماً يماطل في انطلاق أعمال الشركة متعللا بضرورة تدشينها من قبل وزير التجارة والسياحة، ثم أخيراً لم يعد يرد على اتصالاتي، وبعد رسائل كثيرة من جانبي، بعث إلي تقريراً بتصفية الشركة. وكان التقرير يوضح ويفصل المصاريف والنفقات التي ذهب فيها رأس المال كله، بما في ذلك مبالغ مدفوعة لمكاتب دراسات في فرنسا، وأكلاف رحلات المدير (الموريتاني) إلى باريس للتشاور مع مكاتب الدراسات، وإيجار المقر لمدة عام كامل، ورواتب الموظفين والسكرتيرات وراتب المدير العام الموريتاني (مليونا أوقية) وتأثيث المكاتب وتجهيزها.. وفي النهاية فإن مئات الآلاف من اليورو دفعها المواطن الخليجي لم يبق منها إلا 20 ألف أوقية قديمة، وكان السؤال القادم من نواكشوط: كيف نرسلها لك؟ وبالطبع فإن تقرير التصفية مصدق بتوقيع قاض موريتاني وكاتب ضبط موريتاني، مثله مثل عقد الشراكة الأول.
ثم سألني: لقد قررت الذهاب لمقاضاته هناك، فبماذا تنصحني؟ وقبل أن أجيبه أجاب نفسه: لكن هل يمكن اللجوء من أجل استرداد حق إلى قضائكم هذا الذي وثّق عقد الشراكة بحضوري وأنا الذي لم تطأ قدمي بلدكم قط، كما صدّقَ على تصفيةٍ لا غبار فيها على النصب والاحتيال والسرقة؟
من صفحة محمد ولد المنى كاتب موريتاتي مقيم بالإمارات