تحت رماد ما يحدث الآن في البلد، طبقة الفولاذ الصدئة التي يتساءل الجميع من أين تستورد نخبنا أقنعتها المصممة بإحكام ضد الخجل..
لقد كان ولد عبد العزيز كارثة حقيقية حلت بهذا البلد ، ننسى الآن أنها كانت عقوبة من الله على ما يتخمر في هذه البقعة من مكر و نفاق و كذب و تحايل و غش و تزوير و تدليس و مؤامرات على جميع الأصعدة و من قبل الجميع ؛ العالم و الجاهل و الغني و الفقير و التاجر و المنمي و السياسي و غير المهتم ..
لا علم لي _ حتى هذه اللحظة _ بشيء واحد في هذا البلد كله ، يحتل مساحته بشرعية المنطق و العقل، غير الفوضى..!
و ننسى الآن أن اللوحة المرسومة من صدإ تلك الطبقة الفولاذية ، لا تعني فساد ولد عبد العزيز بقدر ما تعني خيانة كل من كانوا يركضون خلفه و يحمون بطشه و يبررون جرائمه و يصفون فساده دونما خجل بالحكمة و الحنكة و الوفاء و العبقرية: الجيش و الأمن و الأحزاب و المنظمات غير الحكومية و اتحاد الأدباء و رابطة العلماء و نقابة الصحافة و اتحادية المزارعين و مهرجانات المدن القديمة و غيرها من عناوين النفاق المصممة على المقاس..
ينسى الجميع اليوم ، أن أيا من هذه النخب (لمزورة)، لم يتب إلى الله و لم يعتذر أمام الشعب و لم يعترف بأي قدر من مسؤوليته إبان حكم ما أصبح يسميه بجبن، "زعيم العصابة"، بل ما زال يدلي برأيه أمام الملأ كمرشد وطني و ينتقد من موقع العارف المؤتمن و يسدي النصح في ثوب "التقي النقي الطاهر العلم"...!!
تذكر أنك لست "ابن فاطمة" يا هذا .. تذكر أنك ما قلت "لا قط" إلا بُخلا و تزلفا لمن بشحمه اليوم يستصغرك الورم ..
ما يحصل اليوم في البلد لغز حقيقي ؛ كأن الآلية المُديرة لما يحدث تقول شيئا و تفعل شيئا آخر و تفكر في شيء ثالث.. لا وجود لأي خيط ناظم بين ما يقال و ما يُفعل و ما يفكَّر فيه :
لقد عم الرخاء لله الحمد و استتب الأمن و أصبح كل مواطن يحصل على حقوقه دون الحاجة إلى أي وساطة أو رشوة و تم قطع دابر الفساد و تقطعت السبل بالمفسدين و استقرت الحياة و تنزلت البركات(...)
هذا بالطبع ما يريد نظامنا الرشيد أن نقوله و نفاخر به الأمم و نقطع به ألسنة عصابة العشرية..
ما يخفى على نظامنا مع الأسف ، هو أن تحقيق كل هذا كان أسهل ألف مرة من كذبة قوله.
ما أسهلها على من يتشبث بأقل قدر من عدالة الفاروق .. ما أصعبها على من يتردد لحظة في معاقبة ولد أجاي و ولد عبد العزيز و سيدي ولد أتاه و ولد أوداعه و ولد حدمين (...)
ما أسهلها على من يختار أصحاب الأيادي النظيفة و الشهادات النظيفة و الخبرات المشهودة و النوايا الحسنة..
ما أصعبها على من يتمسك بأيادي الفساد الآثمة و الشهادات المزورة و الخبرات الفائقة في التزلف و النفاق ..
جل التعيينات التي تمت في عهد ولد الغزواني كانت إساءات بالغة إلى هذا الشعب .. كانت ضربات قاسية و متتالية لآمال هذا الشعب .. كانت خيبات لا تّخفي تعمدها .. كانت رسائل غير ودية إلى شعب يفهم جيدا أن أسوأ رسائل الحكم الوعود و أفشل وعود الحكم الوعود ..
على من يريد أن يقنعنا بأي إصلاح على أيادي المفسدين ، أن يسمي الفساد إصلاحا لاقتصار الطريق و أن يعتذر بالصريح عن رفضه الميل عن "ما وجدنا عليه آباءنا" ...
هل نُنعت اليوم بالحاقدين و الحاسدين و الشامتين (كما كان يصفنا عزيز) ، إذا قلنا إن هذا النظام أصبح يشكل حرجا
حقيقيا لكل من صنعوه و كل من راهنوا عليه؟
أنصح اليوم كل من يريد استمرار نظام ولد الغزواني .. كل من يحب ولد الغزواني.. كل من يؤمن بصدق ولد الغزواني (...)، أن يصارحه بأمانة بأن أحوال البلد لم تعد تطاق و أن استياء المواطنين تجاوز كل نطاق ..
أن يخبره بصدق بأن قراراته لا تناسب توجهاته و تعييناته لا تؤازر تعهداته ..
ما زلت في حيرة حقيقية من أمر هذا الرجل حين توفرت له كل وسائل نجاح مهمته و اختلاف عهده ليضرب عرض الحائط بكل من و ما يخدمه و يتمسك بكل من و ما يدمره..!؟
لا أحد يستطيع أن يدافع عن نظام فاسد و لا يوجد فساد على وجه الأرض اليوم أكثر مما يحصل في موريتانيا . و فساد الإنسان و فساد الإدارة أخطر من الفساد المالي لأن الأخير نتيجة حتمية للأولين.
لن نسأل عن الإنجازات و لن نبالي بها و لن نصدق ما تراه أعيننا و لا ما تسمعه آذاننا ما دامت تعيينات النظام محتكر للمفسدين دون عباد الله .
و إذا كانت رسالة ولد الغزواني من خلال هذه التعيينات هي ماذا أفعل إذا كان كل أنصار النظام الأوفياء مفسدين؟ فتلك قصة أخرى سنعترف له على الأقل بفضل صحتها و صدق الاعتراف بها..!
بمثل هذه التعيينات العبثية وضع ولد الغزواني كل الشعب في حالة شك و تردد في كل ما يقول و ما يفعل فهل يبني الرجل مشروعا أو يدمر آخر؟
ًيكذب و يعرفها جيدا، من يقول إن في مثل هذه التعيينات أي ذكاء أو أي مصلحة أو أي فائدة أخرى و إن كانت بالفعل تؤكد أن أكثر ما تخشاه الأنظمة الضعيفة هو التغيير (أي تغيير).
لكن تأكد أن هؤلاء و كنّا نقولها لولد عبد العزيز قبلك ، هم أول من سيهاجمك و يطالب بمحاكمتك و يفضح كل أسرارك..
أيها العقلاء،
موريتانيا اليوم لم تعد تتحمل مزيدا من الفوضى و الأنانية و التفرد بالحكم و القرار : لقد عمت الفوضى كل شيء لكننا لم نعبر بعد كل الخطوط الحمراء. و أخطر الخطوط الحمراء هو خط الأمل الذي يمسكه اليوم ولد الغزواني . فهل يفهم لماذا نصرخ اليوم ؟
ذلك ما نتمناه من كل قلوبنا.