في أواخر عام 1973 وأثناء تأديتي لامتحان التخرج قدمت إلى الجزائر بعثة موريتانية تضم كلا من السادة أحمد ولد داداه والمصطفى ولد الشيخ محمدو ، وأحمد ولد الزين رحمه الله والمصطفى ولد اخليفة رحمه الله وجانغ بوبو فاربا، وكان هدفهم التدريب في البنك الوطني الجزائري من أجل إنشاء العملة الوطنية الجديدة الأوقية، ووضع اللبنات الأولى لقيام البنك المركزي الموريتاني، وهم جميعا أصدقاء دراسة في موريتانيا.
استدعاني السيد أحمد ولد داداه وأخبرني أنه محمل برسالة إلي من الرئيس المختار يطلب فيها مني الالتحاق بالبعثة والتدريب معهم في نفس المجال بالجزائر. وفعلا استجبت لأوامر فخامة الرئيس، والتحقت بهم في البنك الجزائري حيث كنا نتلقى خبرات ومعلومات من الإطارات الجزائرية المختصة لإنشاء أول نواة للاقتصاد الوطني وهي البنك المركزي الموريتاني على يد هذه الجماعة الأولى من الشباب وفي مقدمتهم أحمد ولد داداه.
كان التدريب سهلا علي، فقد كنت في مستوى علمي مناسب للدخول في الميدان بالإضافة إلى خبرتي السابقة في فرع البنك الفرنسي الإفربقي بنواكشوط عام 1967. والملاحظ هنا هو أن قيادة البلد حينها كانت تبحث عن الكفاءات للمشاركة في عملية البناء والتنمية، فلا آصرة اجتماعية أو خاصية تربطني بالرئيس المختار أو بأخيه أحمد ولد داداه، وإنما يعرفان فقط أنني أدرس في هذا المجال، ولا توجد واسطة أو معايير غير شفافة في تلك الفترة. لم يأتهم والدي أو قريب لي يطلب تعييني أو الحصول على مكانة معينة في الدولة، كنت فقط الموريتاني الوحيد الذي يمتلك تكوينا في القطاع المصرفي آنذاك، ولذلك طلب الرئيس المختار ولد داداه أن أنضم إلى الفريق الأول الذي سيتولى إنشاء العملة الوطنية وقيام البنك المركزي الموريتاني.
في نهاية التكوين والدراسة بالجزائر عدنا جميعا إلى الوطن في يونيو عام 1973 ترافقنا بعثة من البنك الوطني الجزائري من أجل المساعدة في التأطير بعد سك العملة الوطنية الجديدة، التي ستدخل السوق كمظهر حقيقي للاستقلال المالي عن فرنسا، وأخذنا في استبدال الفرنك بها في نفس البناية الحالية للبنك المركزي الموريتاني في الناحية القديمة.
توليت القطاع الفني بالمؤسسة الوليدة وهو المحاسبة العامة والعملة، وهكذا بدأنا العمل لترسيخ دعائم دولة الاستقلال ماليا واقتصاديا في ظروف لا تخلو من صعوبة، وفي ظل نقص كبير في الطاقات البشرية المؤهلة لكن الإرادة والعزيمة كانت تدفعنا نحو الأمام.
كانت مجموعة العمل الأولى في البنك المركزي الموريتاني رائدة في الإخلاص والجدية تتكون من محافظ البنك المؤسس أحمد ولد داداه، والمصطفى ولد الشيخ محمدو محافظ مساعد، وشخصي أنا كمدير للحسابات العامة و العملة، وأحمد ولد الزين مديرا عاما للقروض، والمصطفى ولد اخليفة مديرا للشؤون الإدارية، وجان بوبو فاربا مدير عام للقطاع الخارجي، هذا هو الفريق الأول المسير للبنك المركزي الموريتاني عند انطلاقته. كانت جماعة في مستوى عال من الوطنية ومن المعرفة الفنية والنضج الأخلاقي، مقتنعة بدورها المنوط بها في العمل.
لقد واكبت أحمد ولدداداه سنوات طويلة في هذا المجال وأشهد له بالروح الوطنية، وأشهد له أيضا -رغم ما يقوله البعض عنه- بالتواضع في نطاق العمل،لا يوجد من هو أكثر منه تواضعا في اجتماعات ولقاءات العمل، كان فريق العمل مختارا بدقة في تلك الفترة، نخبة من الكفاءات،وأحمد ولد داداه نموذجها الأبرز، أشهد له أيضا في جانب أساسي بالنسبة لي فضلا عن وطنيته ونزاهته، وهو أنه لم يكن يشعر أبدا أنه أخ للرئيس ولا يمكن لأحد أن يدعي ذلك أبدا ،ولو كان قد ظهر منه ضد ذلك افتراضا لما أمكنه النجاح في مهمته مع جيل متميز من الكفاءات الشابة، وتعرفون بأن هذه مسألة صعبة في بلادنا اليوم لأن الكل يستغل نفوذه خاصة إذا كانت له علاقة بالرئيس في جميع مراحل الدولة بعد ذلك.
كان أحمد ولد داداه واحدا من هذه الجماعة لا فضل فيها لأحد على أحد إلا بالتقوى أوالعمل الصالح في البنك. كان يتقن العمل الذي يقوم به ولا يستحي أن يستشير الآخرين في أي موضوع أو يسألهم عن أية قضية، يحترم صلاحيات وخصوصيات الموظفين ولا يخاطبهم إلا بالتي هي أحسن.
‐-------
من مقابلة أجراها ونشرها في عام 2009 "مركز أمجاد" مع قائد الجناح المدني في حركة العاشر من يوليو ورئيس وزرائها سيدي أحمد ولد بنيجارة رحمة الله عليه