عيد جاءنا هبة ، وفرحنا به لأجل الآخرين، كان خطاب المرحوم الرئيس المختار ولد داداه موجه لديگول وبلغة ديگول، والمنة فيه لديگول وكان التعهد له بالمكافأة ،لم تكن فرحة حقيقية ولم يتضمن تصور لمستقبلنا ولا ترحم على شهدائنا ،صحيح أن أغلب الشعب صوتو ل "ويْ" في استفتاء 1956 أي بقاء موريتانيا تحت وصاية المستعمر . لقد جاءت الدولة دون أن تأثر فينا ،دون أن نعبأ لها، لم نكن نريد منها أي شيء ،ولم تعطينا هي أي شيء ، الدولة لم تكن يوما تنشئة تأسيسية للمجتمع ،لم تأتي بقيّمٍ جديدة ولا بعادات جديدة (مثل المصلحة العليا ،مثل المساواة ،مثل الطابور ، ) لتحل محل العادات والقيم القديمة الفوضوية والبدوية ، ولم تعبر عن نفسها كأمر مهم وجديد فيه مصلحة الجميع ، ولم تكشف عن أهميتها ولا عن برنامجها ولا طموحها ،ولم تدمجنا في شيء من ذلك، وظلت هي هناك في دوائرها وأبنيتها ، وبقينا نحن هناك في أوديتنا وخلواتنا، بل ظلت الناس تهرب عنها كما تهرب عن دولة النصارى وتكتفي بالعلاقة بها بحدود العلاقة بدولة النصارى (الخوف من الضرائب على الحيوان ،و من منع قطع الأشجار للماشية.. ).
الدولة لم تحشد التأييد داخلنا لأي شيء ولم تدخل إلى قلوبنا ولا شعورنا ،ظلت ضيفا علينا لا نحبه ولا نكرهه ، كنا نهرب عنه في البوادي بحثا عن الكلأ ودخلنا المدن عندما طردنا الجفاف والجوع والجهل نريد قوتنا اليومي فلم تحتضنا واكتفت برمينا في أحياء عشوائية تزداد هشاشة وظلمة كل يوم ،دخلنا الحرب بجرة قلم وخرجنا منها بجرة قلم وسلّمنا الأراضي التي مات في سبيلها 3000 جندي بجرة قلم على هامش اتفاق ثنائي مع الجزائر، جاءتنا الديمقراطية هبة دون علمنا وتطورت بعيدا عنا فلسنا جزء من أي شيء كل شيء يفعل بنا وكل شيء لأجلنا دون أن نحصل على شيء ،كل رئيس يقتلنا أو يسجننا أو يهيننا وينهبنا ويدمرنا، وقد نسينا كل شيء، لأن كل ذلك في سلة عفى الله عما سلف .
وفي الوقت الوحيد الذي تجاوبَ الرئيس مع تطلعاتنا نسينا كل شيء من ماضينا وأصبحنا نطالب بكل شيء ونرفع السقف إلى عنان السماء أصبحنا نحن غير نحن، تخلينا عن ضعفنا ونفاقنا،لم نفهم الدرس ولم نتعلم من الماضي ،لأول مرة رئيس يقبع في السجن لسبب الفساد على نحو يخوّف الروساء من ما بعد الخروج من الرئاسة والإنتباه لسلوكهم ،
ولأول مرة تتصارع الدولة مع حصيلة حمراء تحت الصفر ،وتدخل في صراع جائحة كونية لم تبقي ولم تذر وتخطط للتخلص من عقابيلها في أفق سنتين دون شهيق ولا زفير ،لأول مرة تصرف الدولة نصف ميزانيتها في العمل الاجتماعي وتدفع الرواتب لأسر لا تعرف أي معنى للدولة،وتنفق المليارات على التأمين الصحي لمواطنين كانوا يقضون في صحن الحالات الاستعجالية،لايجدون ما يشترون به دواء الإسعافات ، لأول مرة رئيس يهابنا ويحترمنا ويستمع لنا ويتنازل لنا، كل ذلك لا يهمنا ، نحن في دولة جنت الخيبة والضعف من أبنائها من نخبتها : ستين سنة من الفشل، دولة مثل برح بيزا بُنِيّت مائلة وكل رئيس يأتي ليضع طابق على ذلك البناء ،واليوم نريد بكل تجاهل للواقع من غزواني تقويم الأساسات في سنتين تخللتهما كل مشاكل الدنيا وطبعتهم كل الجهود الإنسانية والأخلاقية لمواجهة أصعب الرهانات ،نريد منه مالم نريده من أحد ومالم نحصل منه على أحد نريد منه شق الإجماع حوله والتخلص من شعبيته وناخبيه وقادة الرأي والناخبين الكبار ، ومع ذلك يظل هو متجاوب وهادئ ويعمل 11ساعة لليوم من أجل التغلب على مشاكل دولة خربة وشعب ممحون وقد حقق الكثير في صمت وخلق مزيد من الفرص والطموح لهذا الشعب المطحون الذي لا يهم أحد إلا بقدر الدعاية والضحك على الذقون .
من صفحة الإعلامي محمد محمود ولد بكار